مؤرّخة “إسرائيلية”: مجتمعنا ممزّق وضعيف وأسير بين “يدي الدولة وجيشه”
قالت المؤرخة “الإسرائيلية” تمار عمار- داهل: “إنّ المجتمع الإسرائيلي ضعيف وأسير بين يدي الدولة وجيشه”، وذلك في نتيجة تراكمية للقرارات العسكرية والسياسية لكيان الاحتلال جرّاء الحرب على غزة.
كلام المورّخة جاء في مقال، نُشر في صحيفة “هآرتس”، حول التركيبة العسكرية والسياسية للاحتلال وتأثيرها على “الإسرائيليين” ووضع اليسار الصهيوني. واستهلته بالقول: “منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر، حتى قبل أن تتضح وجهة إسرائيل في اجتياحها لقطاع غزة، سأل المؤرخ يوفال نوح هراري حكومة إسرائيل من أجل ماذا بالضبط يحاربون؛ وإذا كانت هذه الحكومة تحلم بأن تستغل الانتصار لضمّ الأراضي، ولتغيير الحدود بقوة الذراع، ولتهجير السكان ولدوس الحقوق ولتكميم الأفواه ولتحقيق الأوهام المسيانية (الخلاصية) أو لإقامة دولة شريعة هنا- فيجب أن نعرف نحن – في اليسار الصهيوني- هذا منذ الآن. نتنياهو، غانتس، آيزنكوت وغيرهم من رؤساء حكومة الطوارئ؛ أخبِرونا الآن، فورًا، ما هي الأهداف البعيدة المدى المرجو تحقيقها من هذه الحرب، لكي نعلم ما الذي يُطلب منا المخاطرة والتضحية بحيواتنا من أجله؟” وفقًا لقول المؤرخة.
وتابعت: “الطريق نحو الانتصار المطلق ليس مجرد شعار يستخدمه بنيامين نتنياهو وحده فقط. فالجمهور والجيش، أيضًا، ينظران إليه كونه هدفًا مركزيًا. والأهمّ من ذلك: أن الجيش يطبّقه بحزم ووحشية على أكثر من مليونيّ إنسان في قطاع غزة، والذين أصبح معظمهم لاجئين في أرضهم”.
وأضافت المورخة: “الحرب المتواصلة التي طال أمدها يتضح الآن أنها سيفٌ ذو حدّين بالنسبة إلى “إسرائيل” العاقلة. حتى قبل الكارثةـ في أوج الحملة الاحتجاجية ضد الانقلاب على نظام الحكم، سُئلت إن كنت أعتقد بأنّ الطيّارين وجنود وضباط الاحتياط سينفذون تهديدهم ويرفضون المشاركة في الحرب، من دون أن يكون لدي أي علم بالطبع بما يوشك أن يحدث، كانت إجابتي العفوية “أرجو ذلك”. بنظرة إلى الوراء، يبدو أنني كنتُ أردد، فقط، تلك الأمنية التي صاغها يشعياهو ليبوفيتش في حينه حين قال: تصوّروا أن هنالك حربًا ولا أحد يأتي”.
وتابعت المؤرخة: “عاد الطيارون وجنود وضباط الاحتياط، كما هو معروف، وامتثلوا للأمر على الفور. لقد عّد يوم السابع من تشرين الأول في إسرائيل بمثابة “حرب دفاعية خالصة”، من دون أي شك. ولم يكن لمعارضيها، إن وُجدوا، أي أمل. فثمة “حروب دفاعية” أقل وضوحًا من هذه بكثير حظيت بدعم واسع النطاق بين الجمهور، نظرًا إلى أنّ الجيش حارس الوجود القومي يشكّل أحد الأسس المركزية للديانة العلمانية في إسرائيل. هذا هو “حمضها النووي”. أسطورة الأمن هي الأقوى والأصلب فيها. هذه الخرافة التي تقول إن الجيش ودولته يخدمان الأمن، تشكّل أحد أسس العسكرتاريا (هيمنة العسكر) الإسرائيلية أيضًا؛ وفقًا لتعبيرها.
وأردفت أنّ: “العسكرتاريا الإسرائيلية كانت تأتي من صُلب المجتمع المدني وصميمه. العسكرتاريا المدنية- المصطلح الذي وضعه عالِم الاجتماع الراحل باروخ كيمرلينغ، الأوتوماتيكي، من جانب المجتمع “المدني” ونُخَبِه للحروب الإسرائيلية، حتى قبل أن تتضح تمامًا مسألة غاياتها وأهدافها. في ذروة الحدث التاريخي، بالذات، وحين تبين خلال الأيام الأولى العدد غير المعقول للمواطنين الذين اختطفوا، تساءلتُ ما إذا كانت القيادة ستمتنع هذه المرة عن الرد الحربي الأوتوماتيكي، ولو فقط بسبب الخطر الفوري والمباشر على المخطوفين، على الأقل”، غير أنّ العسكرتاريا “الإسرائيلية”، التي تضرب جذورها عميقًا في الثقافة السياسية، لم تسمح بذلك. رأت الحرب ضرورة يحتّمها الواقع، حرفيًا وبكل بساطة. لم يترك نتنياهو وغالانت، بخطابهما الحربي، أي مكان للشك. كذلك، سارعت المعارضة، من العسكرتاريا المدنية، إلى الدعم والتأييد. خمسة أشهر من الحرب، وبالرغم من الأضرار الهائلة التي تُسببها، حتى إسرائيل العاقلة تجد صعوبة في صياغة نقدٍ حقيقي وجدي ضد استمرارها، بمن في ذلك أولئك الذين يأملون إعادة إحبائهم المخطوفين في غزة. الكل أسير الخرافة الأمنية”؛ وفقًا اقولها.
وأشارت المؤرخة إلى أنّ: “ما يميز العسكرتاريا “الإسرائيلية” هو التحييد الفعال لـ”المجتمع المدني” وإقصاؤه عن اتخاذ القرارات في مجال الأمن”، مضيفة: “فَكِّروا في الرقابة العسكرية، في سياسة الغموض والإنكار، هذه هي السياسة الأكثر فاعلية وجدوى لإحباط ومنع أية مناقشات عامة في المسائل الأمنية، في سنوات من القصف في لبنان وسورية من دون أي رقابة جدية أو نقد جدي حول الدوافع والأسباب والأهداف. وإضافة إلى هذا كله: رئيس الحكومة الذي يرفض إجراء أي مقابلة معه ومثوله للمحاسبة”.
وقالت: “النتيجة التراكمية هي “مجتمع مدني” ضعيف، أسيرٌ ـ عمليًا ـ بين “يدي الدولة وجيشها”. ليس ثمة شيء مثل الحرب الحالية لتجسيد هذه الظاهرة من المصالح المتضاربة إلى هذا الحدّ في قضايا مباشرة وملحة تتعلق بالموت والحياة. ليس ثمة شيء مثل الترتيب الحالي ما بعد السابع من تشرين الأول لتجسيد أزمة الثقة بين المجتمع الممزق، في حد ذاته وقادته الذين يستخدمون صلاحياتهم للمحافظة على السلطة فيما هم يتصرفون بموجب مصالح خطيرة جدًا على مستقبل “إسرائيل”. ويجري هذا كله تحت رعاية حرب “لا خيار” أخرى. هل يبدأ اليسار “الإسرائيلي” باستيعاب وفهم فخّ العسكرتاريا التي تورط فيه؟ هل يمتلك القوة اللازمة لإخراج الجيش من قطاع غزة؟ هنا يبدأ الصراع الحقيقي، الذي لم يجرِ تذويته بشكل كافٍ حتى الآن من جانب الخاسرين في هذه اللعبة الخطيرة”.
وانتهت المؤرخة أنّ: “النكبة في قطاع غزة،التي يحتاج إليها اليمين، ينفذها الجيش الإسرائيلي، والذي يهجّر مئات آلاف الغزيين من بيوتهم ويهدمها كي لا يكون هنالك مكان يعودون إليه. وعلى الطريق، يقتل عددًا غير مسبوق من الناس. بالإمكان إخفاء دور الجيش في تدمير القطاع، لكن ليس حقيقة أنّه إذا ما وضع اليمين المسياني أحلامه الهوجاء موضع التطبيق، فستكون هذه نتيجة لحرب جرت بتأييد شامل من جانب التيار المركزي الإسرائيلي، سوية مع “اليسار العاقل”. لقد أثبت التاريخ القصير الممتد على العقود الأخيرة فقط أن انتصار الصهيونية الجديدة واليمين المسياني لم يكن ممكن التحقق لولا العسكرتاريا الإسرائيلية، تلك القوة الهدّامة التي أتاحت العديد من الحروب الدموية عبر عشرات السنين”.