غزّة بين وحشية الاحتلال وصمود أبناء المقاومة
لولا الفيديو الموثّق للمرأة الفلسطينية المسنّة وهي تهرب من الكلاب المفترسة التي أفلتها العدوّ “الإسرائيلي” المتوحّش، لظنّ البعض أنّ الصورة التي انتشرت لها وتوزعت بشكل كبير مركّبة أو خيالية.
لم تكن هذه المشاهد هي الأولى من نوعها، إذ وثق المرصد الحقوقي، في بيان صحافي منذ أيام عشرات الحالات التي استخدمت فيها قوات العدوّ الكلاب البوليسية الضخمة خلال عملياتها الحربية في غزّة، ولا سيما خلال مداهمة المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء. كما وثق المرصد الأورومتوسطي، إفادات لمهاجمة الكلاب البوليسية بشكل متكرّر مدنيين ونهشهم عند عمليات الاقتحام، دون أي تدخل من أفراد جيش الاحتلال الذين غالبًا ما يأمرون الكلاب بمهاجمة المدنيين ومن ثمّ يستهزئون بهم.
تشكّل هذه العمليات “الإسرائيلية” واحدة من مئات العمليات الوحشية التي يتعمد العدوّ القيام بها بحق أبناء قطاع غزّة منذ بداية العدوان وحتّى اليوم، سعيًا لإخضاع المدنيين ودفعهم للتخلي عن أرضهم ومقاومتهم، لكن اللافت هي الشهادات التي لا تزال تصدر عن أبناء القطاع بعد تسعة أشهر على عملية الإبادة الجماعية بحقهم، والتي تؤكد تمسكهم بخيار المقاومة ورغبتهم في البقاء والصمود. ولعلّ مشهد النازحيين العائدين إلى مناطقهم المدمرة فور خروج الاحتلال منها يدلّ على هذا الإصرار والتحدي، أو حتّى رفضهم الابتعاد عن منازلهم رغم الخطر وحجم الإجرام والتهديد “الإسرائيلي” كما حصل منذ يومين في حيّ الشجاعية، التي عاد إليها العدوّ مجددًا ليستكمل مجازره تعويضًا عن الخسائر العسكرية التي يتكبدها، وبعد تهديده لأبناء الشجاعية بالخروج من الحي تحت النيران، فضّل معظمهم اللجوء إلى أماكن قريبة كي يعودوا سريعًا حين يفرّ جيش العدوّ خائبًا كما في المرات السابقة.
هذه الرغبة في الصمود والتمسك بخيار المقاومة يرافقها الكثير من التحديات والأزمات الإنسانية المتتالية. فبعد مسار التجويع المتعمّد من قبل كيان العدوّ ومعه الولايات المتحدة الأميركية ومواجهة الأطفال في غزّة التهديدات الحادة والمزمنة لسوء التغذية، يقول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS” الأميركي في تقرير أعده الباحث في برنامج الأمن الغذائي والمائي العالمي في المركز نفسه “زاين سوانسون” إنّ هؤلاء الأطفال أنفسهم “مجبرون أيضًا على مواجهة الخسائر الجسدية والنفسية والاجتماعية العميقة الناجمة عن العنف الشديد الذي تعرضوا له خلال الحرب”. وينشر التقرير تقديرات منظمة “اليونيسف” التي أشارت إلى “مقتل أو إصابة طفل كلّ عشر دقائق في غزّة”. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإنّ 7797 طفلًا استشهد حتّى الآن بفعل العدوان “الإسرائيلي”، وهو ما يشكّل 32% من إجمالي عدد الشهداء الذين جرى إحصاؤهم.
ولعلّ الجرائم الأكثر بشاعة بحق أطفال غزّة هي أن أكثر من عشرة أطفال يفقدون ساقًا أو ساقين يوميًّا، وجرى إحصاء أكثر من 2600 طفل فقدوا أطرافهم منذ بداية العدوان كما تؤكد تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” وعن منظمة “save the children”، وهذه الأرقام بحسب المنظمة لا تشمل الأطفال الذين خسروا أيدي أو أذرعًا، فيما تجري عمليات البتر في ظروف مروعة جدًا في غالب الأحيان وأحيانًا من دون أي نوع من التخدير.
إنها إذًا إبادة جماعية يخوضها كيان العدوّ بكلّ ما تحمله هذه العبارة من وحشية وإجرام، يريد من خلالها القضاء على كلّ مقومات الحياة في غزّة، لكن هذا الكيان المؤقت يكرّر اليوم الخطأ نفسه الذي ارتكبه سابقًا، حيث يزرعُ في قلوب هؤلاء الأطفال رغبةً أقوى في الانتقام والسعي لاقتلاعه من أرض فلسطين مهما كان الثمن.زهراء جوني/ العهد الاخباري