الصومال ضحيّة السياسات الأميركية: نزاع ومعاناة
تحدّث الكاتب أحمد إبراهيم – وهو عالم أنثروبولوجيا اجتماعية وثقافية أجرى أبحاثًا وألّف كتبًا عن الإسلام في أفريقيا – عن مناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لمعركة مقديشو، حيث اشتبكت القوات الأميركية مع “ميليشيا” صومالية في أحد الأحياء المكتظة بالسكان داخل العاصمة الصومالية.
وفي مقالة نُشرت على موقع “Responsible Statecraft”، قال الكاتب: “إن المعركة باتت تعرف باسم “Black Hawk Down” كونه جرى إسقاط عدد كبير من الطائرات المروحية من طراز “Black Hawk” خلالها، ما أدى إلى مقتل ثمانية عشر جنديًا أميركيًا، وإصابة ما لا يقل عن ثلاثمئة مواطن صومالي بين أتباع “الميليشيات” والمدنيين”.
وأضاف أن “التدخلات الأميركية في الصومال قوّضت الخطط الاجتماعية السياسية المحلية التي لربما كانت وفرت مخرجًا من حالة النزاع المستمر”، لافتًا إلى أن هذه التدخلات ساهمت بالتالي باستمرار النزاع وإحداث شلل “تاريخي” في الصومال.
كذلك أشار الكاتب إلى أن معركة مقديشو جاءت لتتوج التدخل الأممي بقيادة الولايات المتحدة في الصومال، التي مرت بمراحل عدة وأصبحت تعتمد بشكل متزايد على العنصر العسكري.
وتابع أن “القوات الأميركية اقتحمت فندقًا في مقديشو بتاريخ الثالث من تشرين الأول/أكتوبر عام 1993، وذلك من أجل اعتقال شخصية بارزة من التحالف الوطني الصومالي”، مردفًا أن “النتيجة الكارثية لعملية الاقتحام هذه دفعت في النهاية إدارة بيل كلينتون وقتها إلى تغيير المسار وسحب القوات الأميركية من البلاد مع حلول ربيع عام 1994”.
وأشار الكاتب إلى أن “الصومال لم تعد بعد الانسحاب الأميركي والأممي إلى دورة العنف بل إنها شهدت فترة من الاستقرار النسبي”.
وبحسب إبراهيم، فإن هذه الفترة استمرت حوالى عقد من الزمن بين عامي 1995 و2005، واتسمت باتفاقيات الحكم الذاتي التي استندت على المناطق المحلية والروابط الأسرية، وكذلك مراكز التحكيم في أماكن مدنية مثل مقديشو”.
كما أوضح الكاتب أن “أهم وأنجح هذه المراكز هي “المحاكم الشرعية” في مقديشو، التي نشأت بعد عام من انهيار الحكومة المركزية عام 1991، حيث جاءت لتعكس رغبة السكان بمعالجة حالة الفوضى”، مضيفًا أن “المحاكم الشرعية أوجدت الأمن النسبي لبعض الأحياء في مقديشو خلال حقبة التسعينات وصولًا إلى أوائل الألفية، وذلك رغم اعتراض أمراء الحرب والميليشيات”.
وأردف الكاتب أن “عودة العنف على نطاق واسع في الصومال تزامنت مع التدخل الأميركي التالي”، معتبرًا أن المحاكم الشرعية استقطبت أنظار المسؤولين الأميركيين في نيروبي (العاصمة الكينية) في أوائل الألفية، وذلك في ظل وجود شبهات أن أفرادًا على صلة بهذه المحاكم ربما يقومون بإيواء مشتبهين في تفجيرات السفارات الأميركية في شرق أفريقيا، والتي حدثت عام 1998.
وأضاف الكاتب أن “الـ CIA” بدأت بإرسال الأموال إلى أمراء الحرب في مقديشو من أجل الإمساك بالمشتبهين، إلا أن هذه الاستراتيجية فشلت، حيث هزمت المحاكم أمراء الحرب وبدعم من سكان مقديشو.
وشدد الكاتب على أن الاستعانة بأمراء الحرب واستهداف المحاكم الشرعية عكست خطة قصيرة الأمد، بغض النظر عما إذا كان منفذو التفجيرات في مقديشو أم لا، مشيرًا إلى أن المحاكم لم تكن عبارة عن كيان متجانس بل مجموعة من المراكز المستقلة التي عكست مختلف التوجهات الإسلامية في الصومال.
وأكد أن سمعة أمراء الحرب كانت سيئة جدًا، وأن الشعب لم يكن لديه نظرة إيجابية تجاههم.
كما لفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة بادرت إلى دعم الغزو الإثيوبي لمقديشو بعد فشل أمراء الحرب، وهو غزو حصل في منتصف عام 2006 أدى في النهاية إلى تفكيك المحاكم الشرعية.
وتحدّث عن فشل هذا الغزو أيضًا كونه أعطى الشرعية للمعسكر المتطرف في المحاكم، وبالتالي مهّد لصعود حركة الشباب وتحويل الصومال إلى دولة “على الخطوط الأمامية” في “الحرب العالمية على الإرهاب”.
وقال الكاتب: “إنه يمكن انتقاد التدخلات الأميركية في الصومال من نواح عدة، بيد أنه يجري غضّ الطرف عن تأثير التدخلات على الترتيبات المحلية التاريخية التي لربما كانت مكّنت الصومال من تخطّي النزاع المستمر.
وخلص الكاتب إلى أنّ الولايات المتحدة تعيد خلط الأوراق في كل مرة تتدخل فيها سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، حيث تتسبب بتعطيل العملية السياسية والاجتماعية، مردفًا أنّ “النتيجة هي نزاع متواصل منذ أكثر من ثلاثين عامًا”.