“يوم القدس العالمي” طوفان دولي ضدّ الكيان الصهيوني الغاصب
يشهد العالم الإسلامي ومختلف دول العالم، في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، إحياء مراسم يوم القدس العالمي، تلك المبادرة الفريدة التي أطلقها الإمام روح الله الخميني (ره) حين أصبحت حركة مناهضة ضدّ الاستكبار والمستكبرين، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني.
أعلن الإمام الراحل يوم القدس، في العام 1979، لتبقى قضية فلسطين حيّة في وجدان المسلمين وأحرار العالم، ولتتنامى المقاومة الشعبية ضدّ الكيان الصهيوني الغاصب حتّى إسقاط هذا الكيان الذي وصفه الإمام الخميني بأنّه غدّة سرطانية لا بدّ من إزالتها من جسد العالم الإسلامي. ومنذ نداء الإمام الخميني (رض) راحت الشعوب الإسلامية والشعوب الحرّة تحتفي بيوم القدس، في كلّ عام، نصرةً للمدينة المقدسة ودعمًا للشعب الفلسطيني المظلوم، حتّى باتت قضية فلسطين قضية عالمية ووصلت مظلومية شعبها إلى كلّ الأسماع، وبات الكيان الصهيوني كيانًا منبوذًا يطالب كلّ الأحرار بإزالته.
لقد بثّت مبادرة الإمام الخميني (ره) روحًا جديدة في معادلة المواجهة ضدّ الكيان الصهيوني، وأدّت إلى تطوّرات حاسمة في هذا الاتّجاه؛ وكما قال الإمام الراحل (رض): “إنّ يوم القدس يوم عالمي، ولا يخصّ القدس فقط، بل هو يوم مواجهة المستضعفين ضدّ المستكبرين”.
اللافت في هذه المبادرة عدّة أمور:
أولًا: إنّ الإعلان جاء بعد ستة أشهر من عودة الإمام الخميني -قدس سره- التاريخية إلى إيران، وبعد أربعة أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية، أي في تموز من العام 1979 م، ما يؤكد على مدى حضور هذه القضية، وعلى حيّز الأولوية الذي شغلته في فكر الإمام.
ثانيًا: إنّ اليوم، لم يكن خاصًا بالمسلمين، بل هو يوم عالمي. ولعل في ذلك إشارة إلى إعطاء الإمام للقضية بعدها العالمي، كنموذج للصراع بين الحق والباطل، وهذا ما عبّر عنه الإمام، والذي سيتّضح من دلالات يوم القدس.
ثالثًا: إنّ إعلان اليوم حصل في شهر رمضان، وهو شهر الوحدة بين المسلمين الذين يلبّي أكثرهم نداء الحق ويحلّوا في ضيافة الرحمن متوجهين نحوه بالدعاء والابتهال، موطّنين أنفسهم على القيام بالواجب وترك المحرم، وعلى القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهل هناك في حياة الأمة وواقعها اليوم منكرٌ أخطر وأسوأ من احتلال الصهاينة للقدس ؟.. فلا بدّ أن يوطّن المؤمنون أنفسهم على تلبية نداء الحق في هذا الشهر، وقلوبهم معلقة بالحق قريبة منه، تعيش حالًا من الحقانية المتميّزة. كما أن شهر رمضان يمثل بالنسبة إلى المسلمين شهر الجهاد والانتصار، ففيه كان فتح مكة الذي عبّر الله سبحانه وتعالى عنه بـ “إذا جاء نصر الله والفتح”، وشهر رمضان موسم النصر والفتح، ولعلّ التاريخ يعيد نفسه فتتحرّر القدس ويحصل الفتح من جديد في شهر رمضان وانطلاقًا منه.
رابعًا: دلالة ورمزية يوم الجمعة الذي هو عيدٌ للمسلمين جميعًا، يتوجهون فيه إلى بيوت الله تعالى لإقامة الجماعة وأداء الجمعة، في حالٍ من الخشوع والتقرب إلى الله، وفي حالٍ من الوحدة والألفة بين المسلمين والمؤمنين.
خامسًا: رمزية اليوم مع التوقيت (الجمعة الأخيرة من شهر رمضان)، ففي هذه الأيام الأخيرة، وخصوصًا الجمعات منها، لها خصوصيات عبادية مهمة. فهي الأيام التي تختصر خيرات الشهر، وفي إحدى لياليها تستتر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي يعبّر فجرها عن ظهور الحق عبر الصيحة التي ستحصل وتبشر العالم بخروج الإمام المهدي (عج) الذي سيطرد اليهود وللأبد من فلسطين، حيث ستكون القدس هي مكان الإعلان عن قيام دولة العدالة الإلهية، وعن سطوع شمس الحق على هذه المعمورة من خلال تلك الصلاة العالمية التي سيشارك فيها كلّ رموز الحق بإمامة بقية الله المهدي؛ أرواحنا فداه.
وأما نص دعوة الإمام الخميني -قدس سره- فهو: “أدعو جميع مسلمي العالم إلى أن يعدّوا آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، والتي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني، يومًا للقدس وأن يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم”.
إنّ يوم القدس؛ مع أنه يمثل قضية بذاتها لكنه يقدم رسائل جديدة ومتجدّدة تتلاءم مع ما تشهده الساحة من متغيرات سياسية وثقافية واقتصادية، ويمكن إيجاز الرسائل التي تعطيها هذه المناسبة بشكل سريع:
1 – إنّ الامة الإسلامية حازمة في قضية التطبيع، وهي رافضة لها ولا مجال للمساومة ولا طريق غير المقاومة.
2 – إعلان للحرب على “إسرائيل” الغاصبة، وأن لا طريق للمصالحة.
3 – إنّ قضية القدس هي الشغل الشاغل للأمة الإسلامية، وتعيش في ضميرها وتمثّل عمقها الديني والسياسي.
4 – إعلان صريح بأنّ الحكومات لا تمثل إرادة الشعوب، وليس لها الحق بالمساومة على قضيتها.
5 – يعبّر هذا اليوم عن وحدة المسلمين وتعريف للعالم بعدوهم، بشكل صريح ومعلن.
6 – بيان لإفشال المخطّطات الصهيونية الرامية إلى تفتيت الامة وإشغالها بالفتن من أجل السيطرة على مقدّرات الامة.
وأخيرًا؛ هذه المناسبة هي بمثابة الإعلان عن الاقتراب نحو نهاية الصهيونية ومشروعها الخبيث.