تحليل “إسرائيلي”: حان الوقت للحدّ من الخسائر ووقف الحرب
تناول الكاتبان في معهد الأبحاث الإسرائيلي “مولاد” شاي أغمون ونافو شبيغل في مقالة مشتركة نشرتها صحيفة “هآرتس” واقع ومصير المواجهة التي يخوضها جيش الاحتلال على الجبهتيْن الشمالية والجنوبية.
وجاء في مقال شاي أغمون ونافو شبيغل: “منذ ثمانية أشهر جرى إجلاء عشرات الآلاف من “السكان” من عشرات المستوطنات، وهناك مئات الآلاف الذين يعيشون تحت التهديد المتواصل لإطلاق الصواريخ والطائرات المُسيّرة من لبنان، والحقيقة المُرَّة هي أنه حتى بعد ثمانية أشهر من حرب الاستنزاف على الحدود الشمالية، فإنه ليس لدى الحكومة أيّ فكرة بشأن ما يجب أن تفعله”.
وأضاف المقال “المستوى السياسي لم يضع أهدافًا للجيش “الإسرائيلي” في هذه الجبهة، والأمر الوحيد الذي يسمعه “الإسرائيليون” من حكومتهم هو شعارات طفولية وفارغة : “الإرهاب نقضي عليه فقط بالقوة”. ومن جهته، فقد صرّح حزب الله أنه سيواصل القتال ما دامت الحرب في غزة مستمرة، الأمر الذي يجعل مساعي الوساطة للإدارة الأميركية وموفدها الخاص عاموس هوكشتاين غير مفيدة في الوقت الحالي. “إسرائيل” لديها واجب “أخلاقي” وهو إعادة الأمن إلى “سكانها” من أجل العيش في منازلهم. واستمرار الوضع الحالي لا يمكن القبول به، ويمكن أن يؤدي إلى تخلٍّ طويل الأمد عن هذه المنطقة. لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟”.
بحسب الكاتبيْن، فإن أمام “إسرائيل” خياريْن أساسييْن للعمل:
* صفقة أسرى تنهي الحرب في الجنوب، ويمكن أن يتبع ذلك إنهاؤها في الشمال أيضًا لكن مع إنجازات سياسية محدودة
* استمرار الحرب في غزة ودخول حرب وعملية برّية في لبنان.
وتابع الكاتبان “بشكل مبدئي، الحرب ضد حزب الله هي حرب مبررة تمامًا. حزب الله اختار بصورة استباقية، الانضمام إلى دائرة القتال بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن ليس من الحكمة أن تفعل “إسرائيل” ذلك في الأوضاع الحالية:
أولًا: بعد 8 أشهر من القتال في غزة، بالإضافة إلى هجمات من دول أُخرى في الشرق الأوسط، فقد أصبحت “إسرائيل” وجيشها منهكَين، وفي حاجة إلى التقاط أنفاسهما. كما أن الجيش الذي خطط طوال سنوات لحروب قصيرة وقوية وجد نفسه في مواجهة حرب طويلة أدت إلى تآكل تشكيله القتالي، وخصوصًا تشكيل الاحتياط. وقد ازدادت الفجوة في الميزانية “الإسرائيلية” وتجاوزت، خلال الربع الأول من السنة، عجز العام كله. والموارد شحيحة وتتضاءل، والدخول الى حرب مع لبنان يمكن أن يؤدي إلى أضرار واسعة النطاق في الجبهة الداخلية “الإسرائيلية”، وشلّ الاقتصاد وزيادة تضاؤل الموارد.
ثانيًا: كما حذّر هوكشتاين نتنياهو، فإن حرباً ضد حزب الله يمكن أن تؤدي إلى هجوم إيراني واسع النطاق سيكون من الصعب على “إسرائيل” مواجهته. حزب الله ليس ذراعًا لإيران، إنما هو شريك إستراتيجي لها. وإذا اعتقد الإيرانيون أن حزب الله يوشك أن يتعرض لضربة قوية، فمن الممكن أن يضعوا كل ثقلهم من أجل دعمه، وستجد “إسرائيل” نفسها في خضم حرب إقليمية شاملة، وفي أوضاع سيئة جدًا من ناحيتها.
ثالثًا: الأخطر من كل شيء، فإن الحرب ستكون خطأً فادحًا في التوقيت الحالي، لأن الحكومة الحالية تعمل في ضوء نظرية القوة الطفولية التي توجه اليمين، والتي يروّج لها، والقائلة إن استخدام القوة فقط يحقّق الأمن، وهذه النظرية التي تتسبّب بخسارتنا في غزة ستؤدي إلى خسارتنا في لبنان أيضًا. لقد استخدمت “إسرائيل” قوة غير مسبوقة في غزة، وضحّت بحياة مئات الجنديات والجنود، وعدد غير معروف من الأسرى، ولا تزال حماس صامدة. لقد فشلت سياسة حكومة اليمين، وهذا الفشل سيستمر. القوة العسكرية من دون رؤية إستراتيجية لا يمكن أن تنتصر في الحرب”.
ويكمل الكاتبان “حتى في ظل الحكومة الحالية المذعورة، فإنه في إمكان الجيش “الإسرائيلي” السيطرة على أراضٍ في الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني، لكن كما هو الوضع في قطاع غزة، فإنه ليست لدى الحكومة خطة لتحوّل هذا الإنجاز العسكري إلى أداة لتحقيق الأمن على المدى البعيد. وسنواصل سماع الدعوات الجوفاء نفسها من دون إستراتيجية واضحة للخروج من الحرب، وسنجد أنفسنا في وضع نضطر فيه إلى الانسحاب من دون إنجازات، أو أن نقيم مجددًا منطقة أمنية في جنوب لبنان ستدفع “إسرائيل” أثمانها الباهظة. إدارة منطقة أمنية في جنوب لبنان بينما الجيش الإسرائيلي غارق في حرب استنزاف في غزة، والوضع في الضفة الغربية يتصاعد، مع التهديد الإيراني الذي يحوم فوق هذا كله، وهذا كله أكبر من هذه الحكومة”.
وبرأي الكاتبيْن، لا يوجد خيار آخر، وكي لا يصبح وضعنا الصعب والمؤلم أسوأ بأضعاف، يجب علينا الحد من الخسائر، والسعي لنهاية سريعة للقتال في الشمال. وفي الأوضاع الحالية، فإن الطريق الوحيد لذلك هو الدفع بصفقة أسرى مع حماس تُنهي الحرب في غزة من دون القضاء بصورة كاملة على المنظمة. وهذه رسالة من الصعب إرسالها إلى الجمهور “الإسرائيلي” الذي ما يزال تحت صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر، والحرب التي جاءت بعدها. لكن عندما نأخذ في حسابنا كل الفرص والمخاطر، يجب أن نعترف بحقيقة أن هذه هي الرسالة الوحيدة، ومن المهم أن نسمعها من المعارضة ومن الاحتجاج.
وخلص الكاتبان الى أنه “على الرغم من محاولة اليمين أن يصوّر إنهاء الحرب على أنها هزيمة، فإنها ليست كذلك، فوقف القتال سيؤدي إلى تغييرات ليست بهزيمة، كما أن الاستعداد مجدداً لمواجهة تحديات مستقبلية هو أكثر أهمية من العلاقات العامة التي تقوم بها حكومة فقدت “شرعيتها” الجماهيرية. ومن الممكن في المستقبل غير البعيد أن نضطر إلى استخدام القوة العسكرية ضد إيران التي تقترب من التوصل إلى سلاح نووي، أو ضد محور المقاومة الذي بنته حولنا. لكن يمكننا أن نفعل هذا فقط مع حكومة لديها كفاءة ونظرية أمنية مسؤولة وبراغماتية، وتحظى بتأييد دولي، أمّا الحكومة الحالية، فهي تفعل كل شيء لتخسره. حينها فقط، سنستحق ثمن الدماء التي ندفعها. والآن، حان وقت الحد من الخسائر ووقف القتال والتركيز على تغيير الحكومة”.