الكيان المؤقت بين حرب تموز وطوفان الأقصى
“18 سنة مرت على حرب لبنان الثانية (تموز 2006)، وإذا اندلعت الحرب من جديد فلن تكون مثل حرب عام 2006”. بهذه العبارة اختصرت القناة 14 العبرية ذكرى حرب تموز متشائمةً حيال أي تصعيد محتمل مع المقاومة في لبنان واحتمال توسع الحرب. إذ اعتبرت القناة “الإسرائيلية” أنّ “حزب الله اليوم يمتلك مئات الآلاف من الصواريخ الطويلة والمتوسطة والقصيرة المدى، الآلاف منها عبارة عن صواريخ موجهة بدقة مصممة لضرب الأصول الاستراتيجية لـ”دولة إسرائيل”، وعشرات الآلاف من الطائرات من دون طيار المتفجرة، والعديد من الأنفاق، وقوة نخبة مكونة من عدة آلاف من المقاتلين تُعرف باسم قوة الرضوان”، فكيف يمكن أن يكون الوضع على مستوى الكيان إذا غامر في أي حرب واسعة اتّجاه لبنان؟
سبق للكثير من وسائل الإعلام “الإسرائيلية” من قنوات تلفزيونية وصحف أن كتبت عن نتائج أي تصعيد محتمل على مستوى ما يسمّى بالجبهة الشمالية. وعلى الرغم من استمرار لغة التهديد والتهويل التي لم تتوقف منذ عملية طوفان الأقصى وحتّى اليوم، إلاّ أنّ الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين داخل كيان الاحتلال يحذرون بمعظمهم من النتائج الكارثية التي يمكن أن تتسبب بها الحرب بفعل تطوّر قدرات حزب الله وإمكانياته، وما أظهرته المقاومة على مستوى الرصد والتطور التكنولوجي والعسكري خلال الأشهر العشرة الأخيرة.
وقد رصد أحدث تقرير لـ”معهد الأمن القومي” “الإسرائيلي” بمناسبة ذكرى حرب تموز عام 2006، مدى الأضرار المحتملة للجبهة الداخلية “المدنية” “الإسرائيلية”، في حرب شديدة الحدّة وشاملة مع حزب الله. ويوضح التقرير أنّه في حال اندلعت حرب شاملة مع حزب الله، فإن أنظمة الدفاع الجوي التابعة لـ”جيش” الاحتلال ستضطر إلى التعامل مع “وابل هائل من الصواريخ والقذائف التي لا يُمكن اعتراضها كلها”، وأنّ الحرب إذا توسعت فإنها لن تقتصر على لبنان بل ستمتدّ إلى جبهات أخرى تجعلها تتطوّر نحو حرب إقليمي،ة ما يُمثّل “تهديدًا عسكريًا ومدنيًّا” لم تشهده “إسرائيل” سابقًا.
وفي معرض الحديث عن قوة حزب الله، يؤكد التقرير نفسه على أنّ حزب الله أصبح التهديد العسكري الرئيسي لكيان الاحتلال منذ حرب لبنان الثانية (تموز/يوليو 2006)، موضحًا أنّ ترسانة حزب الله الواسعة والمتنوعة تسبب لـكيان الاحتلال خسائر بشرية ومدنية وعسكرية هائلة.
وتتحدث معظم المقالات والتحليلات المرتبطة بهذا الموضوع عن مخاوف الكيان من ضرب البنى التحتية بفعل صواريخ حزب الله، ومدى قدرة المستوطنين على التعايش مع الواقع الجديد الذي فرضته وستفرضه المقاومة في حال توسعت الحرب أكثر، لا سيما أنّ أحدث استطلاعات للرأي أظهرت تراجعًا كبيرًا في القدرة على ما يسمّى بالصمود الوطني لمجتمع الكيان، مُقارنةً بالأشهر الأولى من الحرب، إذ “فقد المستوطنون الثقة بمؤسسات الدولة وغاب عنهم الأمل، كما تعمّقت الانقسامات الاجتماعية، والخلافات السياسية، وانتشرت الأجواء السامة بين المستوطنين”.
تتماهى استطلاعات الرأي ونتائج تقرير معهد الأمن القومي “الإسرائيلي” مع تحذيرات اللواء في احتياط جيش الاحتلال، ومفوّض شكاوى الجنود السابق، إسحاق بريك، المستمرة والمتواصلة بشأن أزمة الكيان وجيشه على مستوى كلّ الجبهات لا سيما في غزّة ولبنان، وقد وصف بريك في مقاله الأخير أي معركة واسعة ضدّ حزب الله، بأنها ستشكّل “هزيمة استراتيجية” للكيان.
كما شكك اللواء في احتياط جيش الاحتلال خلال مقابلة مع قناة كان العبرية في إمكانية جيش العدوّ على خوض حرب واسعة مع لبنان، لافتًا إلى مستوى الإنهاك الذي وصل إليه العدوّ في قطاع غزّة، قائلًا إنّ “”إسرائيل” ستكون كلها تحت النار، مع انهيار كامل للتجمعات السكانية والكهرباء والمياه”.
هذه التحليلات وغيرها منذ بداية المعركة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، ومع انطلاق المواجهات على مستوى الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، تتشابه في مضمونها وخلاصاتها مع ما أوردته وسائل إعلام “إسرائيلية” أخرى من تحليلات مفادها أنّ الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” “غير جاهزة بما يكفي لحرب في الشمال، وهذا فشل متواصل منذ أكثر من 10 أعوام”. وكان من يسمّى بـ”مراقب الدولة” “الإسرائيلي”، متنياهو أنغلمان، قد حذّر في رسالةٍ إلى نتنياهو منذ أيام، من أن “”إسرائيل” غير مستعدة كما يجب لإجلاء السكان في حالة حرب في الشمال”. فهل تتخطّى حكومة العدوّ كلّ هذه التحذيرات وتذهب إلى حرب شاملة؟ سؤال ستجيب عنه التطورات في المرحلة المقبلة، وإن كانت الأشهر العشرة الأخيرة أعطت إجابة واضحة عن قدرة المقاومة على ردع العدوّ من ارتكاب أي حماقة جديدة في لبنان لا سيما في هذه الأيام التي تذكّر الكيان بهزيمته المدوّية في لبنان قبل 18 عامًا.زهراء جوني / العهد الاخباري