اليمن: مسيرات مليونية أسبوعية لدعم غزة
في ذروة التطور التكنولوجي، والسباق العالمي المحموم للتسلح بأفتك أنواع الأسلحة وأخطرها، يظل العنصر البشري هو الحاسم في الحروب، وهو المحرك والمحفز لأي قوة مهما كانت إمكاناتها بسيطة للإبداع واجتراح المعجزات، فالشعوب دائمًا وأبدًا تتحمل العناء وتضحي بالمال والنفس من أجل قضيتها التي تؤمن بها.
على مدى عقد من الزمن، بل ومنذ شباط/فبراير العام 2011 تاريخ اندلاع ثورات ما سمي “الربيع العربي” والشعب اليمني يقدم أروع الأمثلة في الصمود والثبات على الموقف بحيوية وحضور لا مثيل لهما ضدّ قوى الفساد ومواجهة قوى الاستكبار العالمي بمسيراته الأسبوعية التي توجت في 21 أيلول/سبتمبر من العام 2014 بإسقاط نظام العمالة والخيانة وكسر يد الوصاية الخارجية.
ومع تعرض اليمن لعدوان سعودي أميركي في 26 آذار/مارس 2015، معلوم الأهداف والأجندات، ازداد الشعب اليمني وعيًا وبصيرة بمخطّطات ومؤامرات الأعداء وازداد قناعة بضرورة استمرارية حالة التعبئة الشعبية لإسناد قواته ولجانه الشعبية في ميادين القتال دفاعًا عن الأرض والعرض، بكلّ ما يستطيع، فكان بحق هو رافعة الانتصارات وصانع تاريخ اليمن الجديد.
ومع انطلاق العدوان “الإسرائيلي” على غزّة استفاد الشعب اليمني من حالة الاستنفار والجهوزية لينفرد بمواقف تاريخية نصرة للشعب الفلسطيني وقضية الأمة المركزية انطلاقًا من المبادئ الدينية والإنسانية والإيمان العميق بواحدية المصير مع الشعب الفلسطيني الشقيق.
ومنذ عشرة أشهر وميدان السبعين في العاصمة صنعاء يفيض كلّ خميس كما هي الساحات الكبرى في المحافظات الحرة بالحشود الجماهيرية المناصرة لغزّة، ويتوسط تلك الحشود علم فلسطين ورايات الحرية واللافتات المنددة بحرب الإبادة الجماعية والصمت والتواطؤ العربي مع عدو الأمة والبشرية جمعاء.
ما بعد العدوان “الإسرائيلي” على الحديدة كان الحضور الجماهيري أكبر، والعزيمة أقوى وأمضى، ما يؤكد أن الشعب اليمني لا يرهبه أي عدوان مهما كان، وأنه مستمر على موقفه الداعم لغزّة أيا كانت التضحيات.
جموع الشعب اليمني بهتافاتها الصادقة والحماسية باركت تدشين المرحلة الخامسة من التصعيد وبتصميم أكبر تتطلع لطيّ المسافات وخوض المنازلة المباشرة مع العدوّ التاريخي ليس لوقف العدوان على غزّة وإنهاء الحصار وإدخال المساعدات الإنسان وحسب بل لاستعادة الأرض المحتلة وإزالة “إسرائيل” من الوجود.
في دلالات الهبة الشعبية اليمنية بزخمها المتصاعد كلّ أسبوع مع كلّ انتصار وإنجاز عسكري أو اعتداء أميركي بريطاني “إسرائيلي” ما يدل على الشعور بالمسؤولية والمشاعر الإنسانية الحية والإحساس بمظلومية الشعب الفلسطيني من واقع المظلومية التي عاشها ويعيشها أبناء الشعب اليمني منذ عقد من الزمن نتيجة العدوان الغاشم عليه وتداعياته في شتّى المجالات.
التحرك الشعبي هو المكمل والأساس للموقف العسكري الذي هو ذروة موقف اليمن في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، والمصلحة العامة تقتضي التحرك بجد واجتهاد لإسناد الشعب الفلسطيني ومجاهديه الذين يخوضون الحرب بالنيابة عن الأمة الإسلامية لحفظ كرامتها ومقدساتها.
الاستمرارية في المظاهرات استجابة لدعوات القيادة وتأييدًا لخيارات الرد والتصعيد دليل ثقة متبادلة بين القائد والشعب، وتعزيز للنهج التحرّري الذي يرفض الظلم والاستبداد وهيمنة الخارج، وهذا ما يقلق الغرب بعد فشله في إشغال اليمن بمعاناته ومعاركه الجانبية عن تبني قضايا الأمة والدفاع عنها.
الأنشطة الشعبية في اليمن، المساندة لغزّة، لا تقتصر على المسيرات الأسبوعية فثمة أمسيات وندوات، ومناورات عسكرية ومسار تأهيلي وتدريبي، إضافة إلى جمع التبرعات ومقاطعة بضائع الدول المعادية وأنشطة متعددة، وكلها تصب في نصرة القضية الفلسطينية وزيادة الوعي بمخطّطات الأعداء، وهذا الدور والتحرك جعلا الشعب اليمني في صدارة المشهد وفي طليعة الشعوب العربية والإسلامية المناصرة للقضية الفلسطينية.