“فورين أفيرز”: واشنطن لا تُجبر “إسرائيل” على وقف الحرب
في مقالة مشتركة نُشرت في مجلة “فورين أفيرز”، كتب دانيال سيلفرمان وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة “كارنجي ميلون” الأميركية، وآنا بينشينكينا وأوستن كنوبي وهما أستاذا علوم سياسية في جامعة “يوت ستيت” الأميركية، وويناتن أبرمسن وهو محاضر في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، تحدثوا فيها عن نتائج استطلاعات أجروها في شهر أيار/مايو الماضي حول الرأي العام “الإسرائيلي” حيال الحرب على غزة.
وأشارت المجلة الى أن “نتائج الاستطلاعات أفادت أن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة غير قادرة على التأثير في “إسرائيل” هو في غير محله، وبأن واشنطن تستطيع الضغط على “تل أبيب” لدفعها نحو المساومة السلمية ووقف الحرب في غزة، وذلك من دون أن يولد تداعيات سلبية كبيرة”.
ولفتت المجلة إلى أنه “إذا ما مارست إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطًا حقيقية ومستمرة على “إسرائيل”- مثل وضع شروط على تصدير الأسلحة الهجومية إليها من أجل التوصل إلى صفقة- فإن ذلك على الأرجح سيقوّض بشكل حقيقي دعم الشارع “الإسرائيلي” للحرب ويعجل نهايتها”.
ولفتت المجلة إلى أن استطلاعات حديثة كشفت أن غالبية الصهاينة يدعمون اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، وذلك في مقابل أن تنهي “إسرائيل” الحرب وتنسحب بالكامل من غزة.
وعبّر 63% من “الإسرائيليين” عن دعمهم لمثل هذه المساومة وفق أحدث المعطيات الصادرة في آب/أغسطس (الماضي)، إذ ارتفعت هذه النسبة بعد ما بلغت 56% في حزيران/يونيو.
وبحسب “فورين أفيرز”، ربما بدأت السياسة الأميركية تؤثر بعض الشيء في هذه الأرقام، فبايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير الـCIA ويليام برنز أعربوا بشكل واضح عن دعمهم الكلامي للصفقة وعن نفاذ صبرهم المتزايد حيال رفض الحكومة “الإسرائيلية” القبول بها”.
كما جرى استطلاع عيّنة من 1238 صهيونيًا وذلك بعد أيام فقط من انتشار خبر عن أن واشنطن قامت للمرة الأولى منذ أعوام بتجميد شحنة سلاح إلى “إسرائيل”، وذلك من أجل محاولة منع اجتياح “إسرائيلي” لمدينة رفح. وكانت النتائج مدهشة، إذ تبين أن استعداد الولايات المتحدة لممارسة ضغوط حقيقية على “إسرائيل” لإنهاء الحرب لم يغير بشكل كبير في مواقف “الإسرائيليين” حيال الحرب والمفاوضات من أجل إنهائها، أو حيال واشنطن ومنافسيها الجيوسياسيين.
وتقوض هذه النتائج، حسب هذا الاستطلاع المخاوف من أن الضغوط الأميركية ستقلل من دعم “الإسرائيليين” لوقف إطلاق النار أو تؤثر بشكل سلبي ملحوظ في مواقفهم حيال أميركا.
وبيّنت المجلة أنه “وبقدر ما بنيامين نتنياهو (رئيس حكومة العدو) منغمس في الحرب التي يرتبط بها مستقبله السياسي، فقد أوضح الاستطلاع السابق أيضًا أنه يتأثر بضغط حكومي أميركي في الحالات النادرة التي جرى فيها ممارسة الضغط. وقد تراجعت نسبُ تأييد نتنياهو إلى أدنى المستويات، وأيضًا مع تكهنات متزايدة بأن بني غانتس وغادي آيزنكوت سيستقيلان من مجلس الحرب (الإسرائيلي)”.
وأفاد الاستطلاع أن “الولايات المتحدة تستطيع بالفعل أن تؤثر في الطريقة التي يفكر فيها “الإسرائيليون” حول أثمان ومكاسب استمرار النزاع”.
ورأت المجلة أن القلق من أن الضغوط الأميركية قد تفشل أو يكون لها تداعيات عكسية لا تشكل العائق الوحيد أمام مساعي واشنطن للتأثير في حكومة نتنياهو وسلوكها. إذ إن هناك سببين رئيسيين آخريين على الأقل وراء امتناع بايدن عن ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة “الإسرائيلية” بسبب سلوكها الحربي. فلدى بايدن تعاطف شخصي قديم مع “إسرائيل”، مما يجعله مترددًا في انتقاد سلوك الأخيرة. كما أن سلوك بايدن لا شك في أنه تأثر باعتبارات سياسية محلية في عام انتخابات رئاسية”، إلا أن أهمية هذين العاملين ستتراجع بشكل كبير عما قريب، فبايدن يقترب من نهاية رئاسته، وبعد ذلك لن تبقى رؤيته العالمية دافعاً أساساً للسياسة الخارجية الأميركية ومقيداً لها، حسب المجلة.
ولفت مقال المجلة إلى أن “كامالا هاريس (المرشحة للرئاسة الأميركية) أبدت تعاطفًا أكثر مع معاناة الفلسطينيين وتبنت خطابًا ومقاربة أكثر حدة حيال نتنياهو خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بينما جددت التأكيد على التزامها بأمن “إسرائيل”. كما أن مستشاري السياسة الخارجية الكبار لدى هاريس في قضايا الشرق الأوسط هم تقدميون على الأرجح، شجعوها على تبني هذه المقاربة. إذ انتقل الإجماع الديمقراطي حيال “إسرائيل” إلى اليسار، وقد يسعى الرئيس الديمقراطي المقبل إلى جانب مجموعة جديدة من القادة الديمقراطيين إلى ممارسة المزيد من الضغوط على “إسرائيل”.
وتابعت المجلة: “نظرًا إلى احتضان دونالد ترامب (الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي) للجناح اليميني في ولايته الأولى، ومعارضته المعلنة لحجب السلاح عن “إسرائيل” بغية وقف الحرب، وكلامه عن ضرورة أن تنهي “إسرائيل” المهمة، من الأصعب تخيل إدارة بقيادة ترامب وهي أكثر استعدادًا للضغط على “إسرائيل” من أجل وقف الحرب. غير أن التوتر بين ترامب ونتنياهو الذي يعود إلى نهاية ولاية ترامب الأولى، وإلى جانب علاقات ترامب الوطيدة الأخرى في المنطقة، مثل روابطه مع السعوديين، إنما تترك المجال مفتوحًا لتزايد الضغط الأميركي على “إسرائيل” في الإدارة (الأميركية المقبلة) بغض النظر عن نتائج الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر”.
وتحدّثت المجلة عن أن الولايات المتحدة مارست في الماضي أشكال ضغط أكثر جدية في المجالين الاقتصادي والعسكري. ففي عام 1991 قام الرئيس جورج بوش الأب بتجميد ضمانات قروض لـ”إسرائيل” بقيمة 10 مليار دولار، ما أجبر رئيس الوزراء إسحق شامير على تغيير سياسة “إسرائيل” الاستيطانية والمشاركة في مؤتمر مدريد. كما قام الرئيسان (الأسبقان) رونالد ريغن وباراك أوباما بتعليق شحنات تحمل الأسلحة الثقيلة إلى “إسرائيل” بسبب “تدخلات” الأخيرة في كل من لبنان وغزة. وعادة ما نجحت هذه الأشكال من الضغط -عندما تمارس بثبات وصبر- في تقييد الحكومات “الإسرائيلية” ودفعها إلى طاولة المساومة من أجل إنهاء الحملات العسكرية”.
وختمت المجلة بالقول: “يجب أن تنتهي الحرب في غزة بالنهاية، حيث تسبب النزاع بخسائر بشرية هائلة لكل من “إسرائيل” وغزة. وكلّما طالت ازدادت احتمالات حرب إقليمية أوسع. كما أنه كلما استمر مشهد الدعم الأميركي لـ”إسرائيل”، شوهت صورة الولايات المتحدة في العالم العربي والجنوب العالمي، فالضغط على الحكومة “الإسرائيلية” هو الأداة الأساس لدى الولايات المتحدة من أجل الحث على وقف الحرب. إذ يفيد التحليل الذي أجريناه (في هذا المقال) بأنه بإمكان واشنطن الضغط على اليمين “الإسرائيلي” بشكل حقيقي ودفعه باتجاه طاولة المساومة، وذلك دون أن تتضرر صورتها بشكل ملموس. إذا ما أراد الرئيس الأميركي المقبل أن تقف الحرب، فعليه أن يتمتع بالشجاعة المطلوبة للضغط بهذا الاتجاه”.