قضايا وآراء

“مؤسسة القرض الحسن” ليست هدفًا عسكريًّا واستهدافها جريمة حرب

 

العمل الإجرامي المصرّح به علنا من قبل “جيش” العدوّ الصهيوني باستهداف مراكز مؤسسة القرض الحسن منطلقا لثبوت انتهاكات جسيمة لقواعد واتفاقيات القانون الدولي الإنساني الذي يلزم الأطراف المتحاربة في أي نزاع مسلح بتجنب استهداف المنشآت المدنية والبنى التحتية التابعة لها لأن خلاف ذلك يعتبر انتهاكا للقوانين ويستوجب المحاسبة والمساءلة الدولية للطرف المعتدي.

1) استهداف مؤسسة القرض الحسن انتهاك للقانون الدولي الإنساني

يحدّد القانون الدولي الإنساني أحكامًا للحماية العامة للممتلكات والأشياء المدنية. إذ يحظر الهجمات، والأعمال الانتقامية أو أعمال العنف الأخرى ضدّ مثل هذه الممتلكات في النزاعات الداخلية والدولية.

كما يحدّد القانون الدولي الإنساني أحكامًا معينة أخرى لتعزيز حماية بعض من هذه الممتلكات. وترتبط هذه الحماية المحدّدة أحيانًا بحقيقة أن هذه الممتلكات المعنية تحمل شارة مميزة تحظى بحماية القانون الإنساني، وهذه الحماية تغطيها أحكام القانون الإنساني التي تنطبق على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وأقرت دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 بأن هذه الأحكام ملزمة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على السواء (ما عدا الاستثناءات النادرة). وبالتالي، فإن هذه الأحكام ملزمة لكل أطراف النزاع حتّى لمن لم يوقعوا أو لا يمكنهم توقيع الاتفاقيات مثل الجماعات المسلحة من غير الدول.

وتخصُّ مثل هذه الحماية المعززة ممتلكات مثل:

• الوحدات الطبية، والمركبات، ووسائط النقل الأخرى (البروتوكول 1 المادتان 12 و21، والبروتوكول 2 المادّة 11، القاعدتان 28 و29 من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي) ؛

• الأعيان الثقافية وأماكن العبادة (البروتوكول 1 المادّة 53، والبروتوكول 2 المادّة 16، القواعد 38 – 41)؛

• حماية الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين (البروتوكول 1 المادّة 54، البروتوكول 2 المادّة 14، القاعدة 54)؛

• البيئة الطبيعية (البروتوكول 1 المادّة 55، القواعد 43 – 45)؛

• الأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوى خطرة (البروتوكول 1 المادّة 56، والبروتوكول 2 المادّة 15، القاعدة 42)؛

• المواقع المجردة من وسائل الدفاع (البروتوكول 1 المادّة 59، القاعدة 37)؛

• المناطق المنزوعة السلاح (البروتوكول 1 المادّة 60، القاعدة 36).

تعرَّف الأشياء المدنية بأنها جميع الأشياء التي لا تشكّل أهدافًا عسكرية. وتنحصر الأهداف العسكرية في الأهداف التي تشكّل بطبيعتها وموقعها وغرضها أو استعمالها مساهمة فعَّالة في العمل العسكري والتي يوفِّر تدميرها الكامل أو الجزئي، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها ميزة عسكرية محدّدة. وفي حال وجود شك بشأن شيء ما يستعمل عادة لأغراض مدنية، مثل مكان عبادة، أو بيت أو مكان سكن آخر، أو مدرسة، أو مؤسسة تجارية أو بنك أو جمعية مدنية، يجب على أطراف نزاع ما أن تفترض أن هذا الشيء لا يستعمل لأغراض عسكرية (البروتوكول 1 المادّة 52). وتنص القاعدة التاسعة من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الإنساني العرفي أن “الأعيان المدنية هي جميع الأعيان التي ليست أهدافًا عسكرية”. وتنص القاعدة العاشرة على أنه “تُحمى الأعيان المدنية من الهجوم ما لم تكن أهدافًا عسكرية وطوال الوقت الذي تكون فيه كذلك”. وتنطبق هاتان القاعدتان على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

ويحظر القانون الإنساني استعمال العنف، والهجمات وعمليات الانتقام ضدّ أشياء مدنية. ويحظر الهجمات التي توجّه ضدّ الأهداف العسكرية والأشياء المدنية دون تمييز، مثل تلك التي تهدف أساسًا إلى بثّ الذعر بين السكان المدنيين (البروتوكول 1 المادّة 51). ويحدّد القانون الإنساني احتياطات محدّدة يجب اتّخاذها للحدّ من آثار الهجمات على السكان المدنيين والأشياء المدنية (البروتوكول 1 المادتان 57 و58). وعلى القادة العسكريين التزام بضمان تنفيذ هذه الإجراءات. عمليًّا هذا ما لا يفعله الجيش الإسرائيلي، حيث يفعّل في كلّ هجماته استهداف البنى المدنية والمنشآت العامة والخاصة مهما كان نوعها أو اطارها أو موقعها أو نشاطها وعملها، وهو بذلك يجسد أعلى درجات الانتهاك لكل القواعد التي تنص عليها مدونة القانون الدولي الإنساني العرفي، كما اتفاقيات جنيف لعام 1949.

وتنص القاعدة السابعة من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أن أطراف النزاع يجب عليها في كلّ الأوقات التمييز بين الأشياء المدنية (التي تخضع للحماية) والأشياء العسكرية. وهي تُذكِّر أيضًا بأن الهجمات لا يجوز أن تكون موجهة إلى أهداف عسكرية، ويجب ألا توجَّه إلى أهداف مدنية. وتنطبق هذه القاعدة من القانون الدولي الإنساني العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

يشكّل الاعتداء على هذه المنشآت خطرًا شديدًا على السكان المدنيين. كما حظر نص المادّة (52) كافة صور الاعتداء المتوقع ضدّ هذه الأعيان، سواء تمثل ذلك في المهاجمة أو التدمير أو النقل أو التعطيل لتلك الأعيان.

أبرز المبادئ التي تقوم عليها حماية الأعيان المدنية والتي كرست لحماية الفئات غير المشاركة في القتال، أو لم تعد قادرة على ذلك، وتشمل هذه الحماية فئة الأشخاص المدنيين، والأعيان المدنية التي لا تسهم مباشرةً في سير العمليات العسكرية. لذلك ترتكز حماية الأعيان المدنية على مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان غير العسكرية “المدنية”.

يوجب هذا المبدأ على أطراف النزاع في جميع الأوقات ضرورة التمييز، أثناء سير العمليات العدائية وكذلك في حالة الاحتلال، بين الأهداف العسكرية التي تساعد في المجهود الحربي، وبين الأعيان المدنية كدور العبادة والمشافي والمباني التي تؤوي المدنيين بشرط عدم استخدامها في الأغراض العسكرية. وهذا ما أكد عليه نص المادّة (48) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والتي قررت “تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثمّ توجه عملياتها ضدّ الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية”. ويقصد بالأهداف العسكرية طبقًا لنص المادّة (52) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الهدف الذي بطبيعته، وبالنسبة لموقعه، وغرضه، أو استخدامه يساعد في العمل العسكري. وبالتالي يحق تدميره كلّيًّا أو جزئيا، أو الاستيلاء عليه، أو تعطيله بما يعطي ميزة عسكرية للمهاجم.

وفر القانون الدولي الإنساني حماية عامة وحماية خاصة للأعيان المدنية تظهر جلية في كلّ من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977 واتفاقية لاهاي المتعلّقة بحماية الأعيان الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954.

– بالنسبة للحمايـة العامـة يشكّل الاعتداء على الأعيان المدنية اعتداءً مباشرًا على السكان المدنيين، لأن الذين يتواجدون أو يعملون في هذه الأعيان هم مدنيون، وبالتالي هم عرضة للخطر. ولذا وجب توفير الحماية للأعيان المدنية التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين. فقد نصت المادّة (25) من لائحة لاهاي المتعلّقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 على أن “تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أيًا كانت الوسيلة المستعملة”. وتتمثل قواعد الحماية العامة للأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة في النقاط التالية:

1. لا تكون الأعيان المدنية محلًا للهجوم أو لهجمات الردع.

2. لا يجوز استهداف أيّ من الأعيان التي لا تساهم مساهمة فعّالة في الأعمال العسكرية ولا يحقق تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها ميزة عسكرية.

3. في حال أن ثار شك حول استخدام أحد الأعيان المدنية لتقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يجب أن يفترض أنها لا تستخدم لذلك، وفقًا لنص المادّة (52) من البروتوكول الأول.

بالرغم من هذه الحماية، إلا أنه لم تخل أية حرب من الحروب من المساس بالمدنيين والأعيان المدنية، مما دفع المجتمع الدولي إلى تجريم الاعتداء على هذه الأعيان. وقد حددت المادّة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الانتهاكات الجسيمة للاتفاقية، ويعتبر تدمير واغتصاب الممتلكات دون مبرر يتعلق بالضرورة العسكرية انتهاكًا جسيمًا لأحكام الاتفاقية. وتلزم المادّة (146) من نفس الاتفاقية الأطراف السامية المتعاقدة باتّخاذ أية إجراءات تشريعية تلزم بفرض عقوبات جزائية فعّالة على مرتكبي المخالفات الجسيمة أو الذين يصدرون الأوامر باقترافها، وتقديمهم للمحكمة.

– أمّا الحمايـة الخاصـة للأعيان المدنية فتقوم على مبدأ حماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وذلك لأن حماية تلك الأهداف، غير العسكرية، تمنح توفير أكبر قدر ممكن من الحماية للسكان المدنيين. فبالإضافة إلى الحماية العامة، أقر البروتوكول الإضافي الأول حماية خاصة لمجموعة من الأعيان، نظرًا لأهميتها في ضمان حماية السكان المدنيين وتراثهم الحضاري ولتفادي تعرضهم للأذى والخطر. وجاءت المادّة (27) لتنص على أنه “في حالات الحصار أو القصف يجب اتّخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع، على المباني المخصصة للعبادة والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية والمستشفيات والمواقع التي يتم فيها جمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تستخدم في الظروف السائدة آنذاك لأغراض عسكرية. ويجب على المحاصرين أن يضعوا على هذه المباني أو أماكن التجمع علامات ظاهرة محدّدة يتم إشعار العدوّ بها مسبقا.ً” وتشمل الحماية الخاصة الأعيان التالية:

1. الأهداف والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.

2. الأعيان الثقافية وأماكن العبادة..

3. حماية الأشغال والمنشآت التي تحتوي على طاقات خطرة.

4. حماية البيئة الطبيعية.

إنّ استهداف جمعية “مؤسسة القرض الحسن” التي تصنّف وفق نظامها الأساسي والقوانين اللبنانية والتراخيص المعتمدة من قبل وزارة الداخلية اللبنانية هي مؤسسة مدنية وليست هدفًا عسكريًّا ولا تنشط بأي شكل من الاشكال في أي نشاط عسكري أو حربي أو عمل له علاقة بأعمال عسكرية وبالتالي يعد استهدافها من قبل العدوّ الصهيوني انتهاكا واضحًا وصريحا لكل المواثيق والقوانين العرفية والدولية. وعليه، تستلزم المساءلة الدولية والمحاسبة.

2) استهداف “مؤسسة القرض الحسن ” يعد جريمة حرب يعاقب عليها وفق نظام المحكمة الجنائية الدولية

تمّ اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في 17 تموز/ يوليو 1998. ودخل حيز النفاذ في أول تموز/ يولية 2002. وتعرف المادّة 8 من هذا النظام الأساسي جرائم الحرب التي للمحكمة سلطة عليها حالما تتوفر شروط انفاذ المحكمة لسلطتها. وتشمل جرائم الحرب هذه –سواء ارتكبت في نزاع مسلح دولي أو داخلي – ما يلي:

▪ تعمد توجيه هجمات ضدّ مواقع مدنية؛

▪ تعمد شن هجمات ضدّ موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمّة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملًا بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستخدمون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة؛

▪ تعمد توجيه هجمات ضدّ المنشآت والمستلزمات الطبية؛

▪ تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحًا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة. ؛

▪ مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافًا عسكرية بأية وسيلة كانت.

▪ تعمد توجيه هجمات ضدّ المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافًا عسكرية.

وانطلاقًا من ثبوت تورط العدوّ الصهيوني، بل تصريحه وإعلانه استهداف مؤسسة القرض الحسن وفروعها في كامل الأراضي اللبنانية بحجج واهية لا تمنع عن هذه المؤسسة صفة المنشأة المدنية التي تستوجب الحماية العامة والخاصة، فمن الضروري التوجّه إلى المحاكم الدولية لإدانة الكيان الصهيوني وتجريمه على الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها في حق المدنيين والمنشآت المدنية دون مراعاة لقواعد الحماية ومبادئها المنصوص عليها في المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية.

مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى