الاغتيالات لن تضعف حزب الله بل قد تأتي بنتائج عكسية
كتبت سارة باركينسون وجونا شولهوفر وول مقالة نشرت بمجلة “فورين أفيرز” قالا فيها إنه وفقًا لمنطق رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو ومسؤولين “إسرائيليين” آخرين، فإن اغتيال القيادات في حزب الله سيساعد في القضاء على الحزب بشكل نهائي.
غير أن الكاتبين نبها من أن هذه الاغتيالات في الواقع من غير المرجح أن تنجح، حيث قالا إن الحزب هو تنظيم عمره أربعين عامًا لديه قاعدة اجتماعية قوية. كما لفتا إلى أنّ الحزب ممثل في البرلمان والحكومة اللبنانية، وإلى أنه يحظى بدعم إيران. كذلك وصفا الحزب بأنه قادر على التكيف ومرن.وأضافا أن قادة جدداً على الأرجح سينتقمون من “إسرائيل” من أجل إثبات جدارتهم وإثبات قدرة الحزب.
هذا، وتابع الكاتبان القول، إنّ الاغتيالات عبارة عن تكتيك وليس حلاً سياسياً، إذ إنها لا تحقق شيئاً على صعيد تسوية القضايا التي تسبب النزاعات. كما قالا إنّه وسواء عن طريق الخطأ أو كأضرار جانبية، فإن الاغتيالات دائمًا ما تؤدي إلى قتل وإصابة المدنيين وتدمير البنية التحتية. كذلك تحدثا في نفس السياق عن تزايد المظالم وتكثيف وتيرة التجنيد لصالح “المسلحين” وتعطيل المفاوضات، وأردفا أنّ الاغتيالات بمعنى آخر تتسبب بإطالة أمد العنف بدلًا من إنهائه.
كذلك نبه الكاتبان إلى أن القتل المستهدف وقطع رأس القيادة ليسا مصطلحات رسمية في القانون الدولي. وأضافا أن العديد من الخبراء يقولون إن هذه العبارات هي مجرد تعبيرات ملطفة للإعدامات خارج نطاق القضاء التي تحظرها قوانين النزاع المسلح. كما تابعا أن مؤيدي استخدام هذا الأسلوب يقولون، إنها فاعلة عسكريًا ويمكن تبريرها أخلاقيًا لإضعاف قدرات الجماعات المسلحة المنظمة وهزيمتها، وسميا في هذا الإطار “إسرائيل” والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
وتابعا، أنه وبحسب هذا المنطق، يمكن لهذه الضربات أن تصفي الأفراد الذين هم ضروريون لعمل التنظيم المسلح وفي نفس الوقت الحد من الإضرار بحق المدنيين. غير أنهما شدّدا على أنه حتّى استنادًا إلى التفسيرات الأميركية و”الإسرائيلية”، فإن عمليات قتل المستهدف يجب أن تحترم مبدأ التناسبية، والذي يعني أن المكسب العسكري يجب أن يبرر ما ينتج من ضحايا مدنيين.
هذا، وأضاف الكاتبان أنه ووفقًا لأغلب التفسيرات لقوانين النزاع المسلح، بما في ذلك تلك التي تعتمدها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن أغلب الناس الذين تقتلهم “إسرائيل” يتمتعون بحماية قانونية. وقالا إنه وبحسب هذه القراءات، فإن الأشخاص الذين يعملون في مجال الخدمة المدنية لدى حزب الله أو في “أجنحته” السياسية يعتبرون بأنهم ليسوا مقاتلين، إلا في حال كانوا يشاركون بشكل مباشر بالعمليات العدائية. غير أنهما أضافا أن “إسرائيل” والولايات المتحدة يتبنون تفسيراً أكثر مرونة بكثير على صعيد تحديد ماهية المشاركة المباشرة بالعمليات العدائية.
كما قال الكاتبان، إنه حتّى ولو كانت ضربات “إسرائيل” تقتل المقاتلين فقط، فإن هناك مشكلة في القتل المستهدف وهو أنه يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث نبها إلى أن الأبحاث تفيد بشكل عام بأن مثل هذه الهجمات تفشل في تحقيق أهدافها على الأمد الطويل. ولفتا إلى أن هذه العمليات لم تنجح في الحملات الأميركية في كلّ من أفغانستان والعراق وباكستان والصومال وسورية واليمن.
كذلك أشار الكاتبان إلى أن مؤيدي عمليات القتل المستهدف يقولون، إن استهداف الأفراد المتورطين بتخطيط وارتكاب العنف يقلل من قدرة التنظيم ويؤدي إلى انهيار المعنويات. كما لفتا إلى أن الحكومة “الإسرائيلية” تزعم بأن عملياتها الحالية في لبنان حققت هذه الأهداف، لكنهما قالا إن حزب الله أثبت بأنه قادر على الصمود بوجه ما حصل وأن ذلك يعود بشكل كبير إلى كون الحزب هو ذات طابع مؤسساتي وبيروقراطي.
ونبه الكاتبان إلى أن أية جماعة تخسر شخصيات بارزة قد تكون أكثر تصميمًا على إثبات قدراتها وإعادة بناء قوتها، حيث أشارا إلى أن الحزب قصف “الحدود اللبنانية “الإسرائيلية”” أول مرة بعد مراسم تشييع أمينه العام الأسبق السيد عباس الموسوي. كما أضافا بأنه وبعد مرور قرابة عقد من الزمن بعد هذا الاغتيال، أصبح حزب الله أكثر قوة وقدرة. كذلك أشارا إلى انسحاب “إسرائيل” من جنوب لبنان عام ألفين، وإلى أن “إسرائيل” واصلت عمليات القتل المستهدف ضدّ حزب الله خلال الأعوام التي تلت، إلا أن نفوذ الحزب استمر بالتزايد.
وتابع الكاتبان أن من المبررات التي دائمًا ما تقدم لعمليات القتل المستهدف هو أنها تقلل من عدد الوفيات بين المدنيين، حيث نبها من أن العمليات التي تستهدف الأفراد أنتجت الدمار وأعدادًا كبيرة من الضحايا المدنيين. كما قالا إن عمليات القتل المستهدف هي عبارة عن عقوبة جماعية للمدنيين في لبنان، وأن هذا ربما هو هدف الحكومة “الإسرائيلية”، حيث أردفا أن الأخيرة تأمل في أن تؤدي المعاناة إلى انقلاب المدنيين على حزب الله.
وأشارا إلى أن نتنياهو هدّد في أكتوبر تشرين الأول الماضي لبنان بدمار ومعاناة يشبه ما حصل في غزّة، إلا في حال “انتفض” الشعب ضدّ الحزب. وأردفا بأنه وبحسب هذا المنطق، فإن إلقاء اللوم على حزب الله بتدمير البلد سيساعد “إسرائيل” على استهداف أعضاء الحزب وتفكيك نفوذه.
غير أن الكاتبين استبعدا أن يحصل ذلك، ونبها من أن العكس قد يحصل، حيث أشارا إلى أن “إسرائيل” هي “قوة أجنبية” سبق وأن اجتاحت لبنان ثلاث مرات ونفذت عمليات عسكرية مدمرة. كما لفتا إلى أن “إسرائيل” قامت بقمع سكان لبنان الجنوبيين بين عامي 1982 و2000، وإلى أنها قامت بسجن آلاف اللبنانيين والفلسطينيين، وتأجيج التوّتر الطائفي عبر جيش لحد.
ونبها إلى أن الاحتلال وإلى جانب القمع والمعاناة دفع بمجندين جدد إلى الالتحاق بحزب الله وغيره من الأحزاب السياسية اللبنانية المسلحة. كذلك أضافا أن ما شهده المدنيون من ضربات “إسرائيلية” عشوائية منتشرة هو عامل آخر يؤثر في صنع قرارهم، وبأن هذه الهجمات ستقوي قناعات داعمي حزب الله المدنيين. وتابعا بأن بعضاً ممن لم يكن مقاتلًا قد يصبح على استعداد للالتحاق، وبأن شرائح أكبر من الشارع اللبناني قد تتجيش ضدّ “إسرائيل” كما حصل بين عامي 1982 و2000.
وقال الكاتبان، إن سجل القتل المستهدف يفيد عمومًا بأن هجمات “إسرائيل” على حزب الله من غير المرجح أن تقضي عليه. كما أردف بان “إسرائيل” تستخدم هذا الأسلوب ضدّ “الجماعة” منذ عقود، إلا أن حزب الله وبدلًا من الانهيار أثبت بأنه قادر على الصمود والتكيف. كما أضافا بأن محاولات قطع رأس القيادة أنتجت المزيد من العنف والتوسع التنظيمي، وتزايد نفوذ إيران.