كولونيل أميركي: على واشنطن التأنّي في قرار الانجرار نحو الحرب مع إيران
رأى الكولونيل الأميركي المتقاعد دوغلاس ماكغريغور أنه لو قرّرت الولايات المتحدة الانضمام إلى “إسرائيل” في حرب على إيران، فإن النتيجة ستكون مواجهة جيوسياسية حاسمة قد تغير بشكل دراماتيكي وجه العالم.
وفي مقالة له نشرتها مجلة “ذا أميركان كونسترفاتيف”، حذّر الكاتب الذي شغل منصب مستشار البنتاغون في نهاية الولاية الأولى للرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، من أن هكذا سيناريو سيكون بمثابة عاصفة القرن الواحد والعشرين، ومن أن أميركا تسير مباشرة بهذا الاتجاه، مشددًا على ضرورة أن يطالب ترامب على أقل تقدير بإجابات من مستشاريه المدنيين والعسكريين لأربعة أسئلة مهمة.
وفيما يخص السؤال الأول، أوضح الكاتب وهو يعدّ من أهم المفكرين العسكريين الأميركيين، أنه يتعلق بهدف أميركا جراء شنّ الحرب على إيران، وسأل هل “الهدف هو القضاء على الدولة الإيرانية ام القضاء على قدراتها على شن الحرب على “إسرائيل”؟ هل الهدف هو القضاء على قدرات إيران النووية أو قطع رأس الدولة الإيرانية على امل ان يقوم الشعب الإيراني بالإطاحة بالنظام؟”، حسب تعبيره.
وشدد الكاتب على أن كل هذه الاهداف تتطلّب دراسة وتحليلًا معمّقًا، وأن الإجابات تتطلّب تحديد الموارد وعديد القوات والوقت المطلوب من أجل تحقيق الاهداف، مؤكدًا أن قوات اميركا الجوية والبحرية سيتوجب عليها توجيه ضربات قوية تخترق دفاعات إيران الجوية والصاروخية الكثيفة وفي الوقت نفسه ربما الدفاع عن نفسها وعن القواعد الاميركية ضد الهجمات من قبل قوات إيرانية وأخرى متحالفة في المنطقة، وسأل إلى أيّ متى يمكن ان تشن هذه القوات العمليات قبل ان تستنزف مخزونها من العتاد ويجري استبدال خسائرها البشرية والمادية؟.
وتابع الكاتب: “بناء على الاجابات، قد تكون الأهداف قابلة او غير قابلة للتحقيق”، منبّهًا من أن القادة السياسيين والعسكريين عادة ما يخططون من أجل تحقيق نتائج سريعة حاسمة، إلّا أن الحروب دائماً ما تستمر أكثر مما هو متوقع.
عقب ذلك، سأل الكاتب كيف تحقّق القوة العسكرية الاميركية الاهداف، وما هي أنظمة السلاح والعتاد المطلوب، وما هي الاهداف التي سترسم قدرة إيران على القتال؟ وأشار في هذا السياق إلى أن الدراسات التي أجريت حول فاعلية القصف في أعقاب الحرب العالمية الثانية كشفت أن المساهمة الأكبر جراء القصف الجوي لألمانيا تمثّلت في القضاء على إنتاج الوقود لدى ألمانيا وشبكة النقل من أجل نقل هذا الوقود. أما ثاني أهم مساهمة، فقال الكاتب إنها تمثلت في إجبار القوات الجوية الألمانية على الدفاع عن مدن وصناعات ألمانية، وبالتالي حرمان الجيش الالماني من الدعم المساندة الجوية المكثفة. إلا انه نبه إلى ان اسقاط آلاف الاطنان من القنابل على آلاف الاهداف لم تحقق نتائج تذكر على آلة الحرب الالمانية.
ومن ثم سأل الكاتب “هل تستطيع القوة الجوية والصاروخية وحدها إجبار الدولة الإيرانية على الرضوخ للمطالب الإسرائيلية والاميركية”، ثمّ أجاب “حتى يومنا هذا لم يجرِ تحقيق النصر من خلال الاعتماد على القوات المتخصصة بالضربات الدقيقة التي تعتمد على قدرات فضائية وارضية استخباراتية واستطلاعية ورقابية، وأردف “حملة القصف في كوسوفو ألحقت ضررًا هائلًا بالاقتصاد الصربي، إلّا أن تأثيره على القوات البرية الصربية كان بالكاد يذكر، وأضاف “عندما تراجعت موسكو عن وعودها بشأن تقديم الدعم للشعب الصربي في الطاقة والمواد الغذائية، فإن تدمير مصانع الطاقة والبنية التحتية المدنية والتجارية دفع القيادة الصربية إلى اخراج قواتها من كوسوفو.
ولفت إلى أن الدفاعات الجوية الصربية ورغم إمكانياتها التكنولوجية المتواضعة لم تتراجع فاعليتها إلى ما دون نسبة 80%، وبينما قال ان الضربات الدقيقة تقدمت من حيث القدرة على القتل والقدرات عمومًا، الا ان التكنولوجيا العسكرية لدى الدولة الايرانية أيضًا تقدمت. كذلك نبّه من أنه قد يتبيّن بأن الضربات الجوية والصاروخية هي غير قادرة على وقف إطلاق عشرات آلاف الصواريخ والقذائف والأنظمة غير المأهولة على “إسرائيل”، كما يحصل مع حزب الله.
أما حول السؤال المتعلق بالنتيجة النهائية المطلوبة وما الذي يريد الرئيس (الأميركي) أن تكون عليه إيران والمنطقة المحيطة عندما ينتهي القتال، فاعتبر الكاتب ان هذا السؤال ربما هو الاصعب، ولفت إلى أن إيران وخلافًا للعراق في عامي 1991 و2003 أو صربيا في عام 1999 او ليبيا في عام 2011، إنما هي ليست معزولة. كما أضاف “بسبب عدم تحديد الهدف النهائي في عام 1991، فإن المخططين العسكريين الاستراتيجيين لم يكونوا مستعدين لنتيجة الحرب وقتها.. و”السلام” الذي جرى التوصل إليه وقتها لم يكن مرضيًا للمصالح الاميركية على الأمد الطويل”.
هذا وأشار الكاتب إلى اعلان وزارة الخارجية الروسية مؤخرًا عن ان المفاوضات حول الشراكة الامنية الاستراتيجية بين روسيا وإيران مستمرة، وتابع “الرئيس الصيني شي جينبينغ طمأن إيران فيما يخص دعم بيكن للدفاع عن سيادة إيران الوطنية وامنها”.
كذلك نبهّ الكاتب إلى أن حتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يوصي بعدم مهاجمة إيران، مشيرًا إلى ما قاله خلال القمة العربية الاسلامية التي جرت مؤخرًا عن أن المجتمع الدولي يجب أن يجبر “إسرائيل” على احترام سيادة “جمهورية إيران الشقيقة” وعدم انتهاك أراضيها.
وتحدث الكاتب أيضًا عن خطوات استراتيجية مالية تتخذها السعودية والامارات، مشيرًا إلى تقلّص ملحوظ في حصة السعودية من السندات لدى وزارة الخزانة الاميركية، إذ تراجعت هذه الحصة إلى حوالي 108.1 مليار دولار في حزيران/يونيو عام 2023، ما يعني تراجعًا بنسبة تفوق 41% مقارنة مع اوائل عام 2020. كما رجّح أن يقوم السعوديون والاماراتيون بإعادة ثروتهم إلى شبه الجزيرة العربية وأن يقوموا ببيع السندات لدى الخزانة الاميركية بأسعار منخفضة جدًا، الأمر الذي سيتسبّب بأزمة مالية في الولايات المتحدة والغرب عمومًا على شاكلة الكساد الكبير.
عقب ذلك، سأل الكاتب ما هو الثمن الاستراتيجي الذي سيدفعه الشعب الأمريكي اذا ما رفضت واشنطن المشاركة في حرب إقليمية تبدأها “إسرائيل”، مشيرًا إلى أن أهداف “إسرائيل” السياسية والعسكرية تخطت بشكل كبير الدفاع عن نفسها منذ أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فبنيامين نتنياهو يبدو واثقًا بانه ومن خلال الدعم الاميركي المالي والعسكري، تستطيع القوات الإسرائيلية إخراج ملايين الفلسطينيين العرب من غزة والضفة الغربية، وأيضًا إخراج حزب الله من جنوب لبنان.
في الختام، سأل الكاتب ما الذي تعنيه أهداف نتنياهو لسلامة الاقتصاد الأميركي واستقرار النظام العالمي، وعمّا كانت “إسرائيل” تستطيع البقاء من دون أن تهاجم أعداءها الكثر.