أزمة انتماء وطني تهدد أميركا
كشفت التظاهرات التي تشهدها الجامعات الأميركية عن توترات جديدة داخل الحزب الديمقراطي، حول كيفية تحقيق التوازن ما بين حماية حرية التعبير ودعم سكان غزة من جهة، والمخاوف التي يثيرها بعض اليهود الأميركيين حول ما يسمى “معاداة السامية” من جهة أخرى، حسب ما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وأضافت الصحيفة أن “التظاهرات تصدرت محور النقاش داخل الحزب الديمقراطي حول الحرب”، مشيرة إلى “الحزب يواجه مخاطر سياسية بعد أن تعهد ترسيخ الاستقرار من أجل الفوز بانتخابات جرت مؤخرًا، وسيواجه أيضًا معركة صعبة على تولي الحكم”، وأوضحت أن “المعركة الدائرة حول السياسة الأميركية حيال “إسرائيل” هي واضحة جدًا في معسكر اليسار على وجه التحديد.
وتابعت أن “بعض المشرعين الذين زاروا أماكن الاعتصامات والتظاهرات يعتبرون أن سلوك الطلاب المحتجين هو جزء من تقليد قديم في النشاط الجامعي، وأن حقوقهم بحرية التعبير هي في خطر”، لافتة إلى أن “هؤلاء المشرعين يقولون أن حوادث معاداة السامية لا تعكس حراكًا أوسعًا يشمل العديد من اليهود الشباب من المعسكر التقدمي”.
ولفتت الصحيفة إلى أن النائب غريغوريو كاسار كان قد زار جامعة تكساس للتعبير عن تضامنه مع المتظاهرين، وربط النشاط الذي يمارسونه بالنشاط الطلابي رفضًا لحربي فيتنام والعراق”
تساؤلات حول مدى انتماء الشباب الأميركي اليوم لبلدهم
وفي سياق متصل، أشار كيفن والستن وجاك سيترين في مقالة لهما نشرها موقع “ذا هيل” إلى “صعود تيار معادٍ لأميركا في عدد من المظاهرات المعادية لـ”إسرائيل” التي تشهدها الولايات المتحدة”، ولفتا إلى أن علم حزب الله يُرفع في بعض المظاهرات، بينما يتم في الوقت نفسه إحراق العلم الأميركي في بعض المظاهرات الأخرى”.
واعتبرا أن “العداء الصريح لأميركا في المظاهرات يبقى حالة نادرة، إلا أن مجرد ظهوره يطرح تساؤلات حول مدى انتماء شباب اليوم لبلدهم”، وأوضحا أن “هناك الكثير من الأدلة التي تفيد بأن “الجيل زد” (من هم دون ثلاثين عامًا) هم أقل انتماءً إلى بلدهم مقارنة مع جيل الألفية.
وتابع الكاتبان أن “الوطنية التي تعني عشق البلد تتعزز بالوعي المشترك حول معنى ان يكون المرء اميركيًا”، وأضافا أن “هناك اختلافات أيديولوجية وعمرية تكشفها الاستطلاعات في هذا السياق”.
وقالا: “طالما كانت هناك فجوات بين الليبراليين والمحافظين والديمقراطيين والجمهوريين حول مسائل تتعلق بالوطنية، إلا أن الفجوة اتسعت بشكل ملحوظ خلال العقد المنصرم”، مشيرين إلى أن “الليبراليين اليوم هم أقل ميولاً بكثير من المحافظين على الصعيد الانتماء لأميركا والشعور بالفخر على هذا الانتماء.. هذه الفئة هي أكثر ميولاً نحو القول إن دولًا أخرى هي أفضل من الولايات المتحدة، وان أميركا تمثل مجتمعًا عنصريًا وأن نظامها السياسي بحاجة إلى تغير هيكلي”.
الكاتبان اعتبرا أن “الشيء الأكثر إثارة للقلق هو الفجوة العمرية في الهوية الوطنية والهوة الأيديولوجية بين الشباب”، وأشارا إلى “دراسة أجريت في العام 2022 كشفت عن فجوة بـ36 نقطة بين الليبراليين والمحافظين ممن تفوق أعمارهم خمسة وستين عامًا، وذلك في مسألة أهمية الانتماء إلى اميركا”، لافتين إلى أن “60% من الليبراليين و96% من المحافظين اعتبروا أن الانتماء إلى الولايات المتحدة مسألة مهمة بالنسبة لهم”.
في المقابل، ذكرا أن “الفجوة بين الليبراليين والمحافظين في الجيل “زد” وصلت إلى 55 نقطة، حيث اعتبر 18% فقط من الليبراليين الشباب أن الانتماء إلى أميركا مسألة مهمة بالنسبة لهم”، ولفتا إلى “استطلاع أجرته جامعة هارفرد لهذا العام كشف ان 74% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و19 و20 عامًا من الجمهوريين يفضلون العيش في أميركا بدلاً من بلد آخر، مقابل نسبة 55% فقط من الديمقراطيين من نفس الفئة العمرية، وبحسب الاستطلاع نفسه فإن الديمقراطيين الشباب أعربوا عن ثقة أكبر بالأمم المتحدة مقارنة مع الجيش الأميركي”.
وتابع الكاتبان أن “الانتماء الوطني الضعيف للجيل “زد” هو حالة متميزة، إذ تفيد الاستطالاعات بأن نسبة الديمقراطيين الشباب الذين كانوا يفتخرون بالانتماء إلى اميركا بلغت 53% عام 2004، بينما تراجعت إلى 12% فقط عام 2023″، معتبرين أن “العولمة والتعددية الثقافية تتسببان بتآكل الهوية الوطنية المشتركة، وأن الليبراليين الشباب على وجه الخصوص يعبرون عن “التزام سطحي” حيال بلدهم”، منبهين إلى أن “الولاءات قليلاً ما تتغير بعد عمر الـ30”.
وختم الكاتبان بالقول إن “البيت المنقسم على خطوط قبلية أو طبقية ولا يمكن أن يصمد في وقت الازمات، وأضافا أن “الوطنية تعتمد في النهاية على الإيمان بأن الوطن يستحق النضال من أجله”.