كاتب أمريكي: حماس تحوّلت إلى قوة حرب
قال الأستاذ في جامعة “شيكاغو” روبيرت بيب إن “تسعة أشهر من العمليات القتالية الإسرائيلية الجوية والبرية لم تهزم حركة حماس، و”إسرائيل” ليست على مسافة قريبة من القضاء عليها، بل إنه وبحسب المقاييس التي تؤثر فعلًا على أرض الواقع، فإن حماس اليوم أقوى ممّا كانت عليه بتاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر”.
وفي مقالة نشرت في مجلة “فورين أفيرز” أشار الكاتب الذي يعدّ من أشهر الخبراء الغربيين في القضايا الأمنية إلى أن قوة حماس تزداد في الواقع، مشبهاً ذلك بتنامي قوة جماعة Viet Cong خلال عمليات البحث والتدمير التي شهدتها “فيتنام الجنوبية” عامي 1966 و1967 عندما أرسلت الولايات المتحدة القوات إلى البلاد في محاولة فاشلة لقلب مسار الحرب لصالحها.
وأضاف “حماس تبقى صامدة وتحوّلت إلى قوة حرب عصابات خطيرة في غزة، حيث جرى استئناف العمليات في المناطق الشمالية التي كان من المفترض بـ “إسرائيل” أن تطهرها قبل أشهر.. الخلل الأساس في إستراتيجية “إسرائيل” لا يتمثل بالتكتيكات أو فرض القيود على القوة العسكرية، تماماً كما أن فشل إستراتيجية الولايات المتحدة العسكرية في فيتنام لم يكن السبب الأساس وراءه الحرفية التقنية لقواتها أو القيود السياسية والأخلاقية على استخدام القوة العسكرية”.
وأوضح أن “الفشل الأساس هو في سوء فهم مصادر قوة حماس، وأن “إسرائيل” لم تدرك أن الخراب والدمار اللذين تسببت بهما في غزة جعلا “العدو” أكثر قوة”.
ورأى أن حماس ورغم خسائرها تبقى في الواقع المُسيطرة على مناطق شاسعة من غزة، بما في ذلك تلك المناطق حيث الثقل السكاني.
كذلك تحدث عن احتفاظ حماس بقدرتها على توجيه ضربة “داخل “إسرائيل””، مُرجّحًا أن تكون قد حشدت نحو 15،000 مقاتلاً، اي ما يساوي عشر مرات تقريباً عديد المقاتلين الذين نفذوا هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأردف “الحرب الإسرائيلية تحولت إلى حرب استنزاف ستبقي لحماس القدرة على مهاجمة “إسرائيليين” حتى اذا ما مضى الجيش في حملته في جنوب قطاع غزة”.
وشبّه الكاتب ما يواجهه الجيش “الإسرائيلي” اليوم بما واجهته القوات الأميركية في أفغانستان، وقال إن التركيز على عدد الوفيات يخلط ما بين النجاح التكتيكي والإستراتيجي ويتجاهل المقاييس الأساسية التي تبين أن القوة الإستراتيجية لدى المنافس تتنامى حتى عندما تتراكم الخسائر “الفورية” لديه”.
وبحسب الكاتب، فإن قوة جماعات مثل حماس لا تأتي من العوامل المادية التي يعتمدها المحللون لتصنيف قوة الدول، مثل حجم اقتصادها والتطور التكنولوجي لدى جيوشها ومدى الدعم الخارجي الذي تحظى به وقوة نظامها التعليمي. أهم مصدر من مصادر القوة لدى حماس وغيرها من “الجماعات المسلحة” هو قدرتها على التجنيد، وخاصة جذب أجيال جديدة من المقاتلين الذين هم على الأرجح سيضحون بحياتهم من أجل القضية. هذه القدرة تعود جذورها في النهاية إلى عامل وحيد، وهو حجم وشدة الدعم لدى الجماعة داخل بيئتها.
وقال الكاتب: إن الدعم الشعبي يسمح لحماس بأن تعيد ترميم صفوفها وبأن تحصل على المزيد من الموارد البشرية والمادية من أجل حشد الصفوف وشن حملات “عنف” مستمرة.
وأضاف: “الأهم من ذلك هو أن الدعم الشعبي أمر ضروري من أجل بناء ثقافة الشهادة، أمّا البيئة التي تكرم المقاتلين الذين يسقطون في المعركة فهي تساعد في استمراريتها.. الشهادة تشجع على انضمام مجندين جدد.
وتابع الكاتب: إن تقييم القوة الحقيقية لدى أية جماعة يتطلب من المحللين النظر في الأبعاد المختلفة لدعمها لدى الفلسطينيين. كما أردف بأن ذلك يشمل شعبيتها مقارنة مع خصومها السياسيين، و مدى اعتبار الفلسطينيين “لعنف حماس ضد المدنيين الفلسطينيين” أمراً مقبولاً، وعدد الفلسطينيين الذين فقدوا أقارب لهم إثر الاجتياح الإسرائيلي لغزة.
كما أشار الكاتب إلى خمسة استطلاعات أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بدءاً من حزيران يونيو عام 2023 حتى حزيران يونيو الحالي، حيث تبين أن حماس تحظى بتأييد أكبر عند الفلسطينيين اليوم مقارنة بتاريخ السابع من أكتوبر. وأضاف بأن القصف والاجتياح الإسرائيلي لغزة لم يقلل من الدعم الفلسطيني “للهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين داخل “إسرائيل” ولم يقلل بشكل ملحوظ من الدعم لعملية طوفان الاقصى. كذلك أشار إلى أنه ووفقاً لإحصائيات صدرت في آذار مارس الماضي، فإن نسبة 73% من الفلسطينيين اعتبروا أن حماس كانت محقة بتنفيذ هجوم السابع من أكتوبر. كما قال: إن هذه الأرقام مرتفعة جداً، ليس فقط بعد الحملة الإسرائيلية عقب عملية طوفان الأقصى، وإنما ايضاً كون نسبة أقل وهي 53% كانت تدعم الهجمات المسلحة على المدنيين الفلسطينيين في أيلول سبتمبر الماضي.
وشدّد على أن الدعم الفلسطيني لحماس ازداد بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر على حساب أمن “إسرائيل”، لافتًا الى أن المؤشرات كافة تفيد بأن المقاتلين الحاليين لدى حماس هم على الأرجح أكثر استعداداً من أي وقت مضى لشن حرب عصابات طويلة الأمد ضد أيّة أهداف “إسرائيلية” يستطيعون ضربها.
واعتبر أنه وبعد تسعة أشهر من الحرب، حان الوقت للاعتراف بحقيقة واضحة، وهي أنه لا يمكن هزيمة حماس عبر العمل العسكري وحده، إذ إن حماس تساوي أكثر من مجرد مجموع عديد قواتها.
وختم قائلاً: “حماس ليست مهزومة ولا هي على وشك الهزيمة، إلّا أن القادة الإسرائيليين لا يبدو أنهم مستعدون لوضع تصوّر لخطة سياسية بعد مرور كل هذا الوقت”.