عدوان “إسرائيلي” ومقاومة باسلة.. كيف ستؤثر الضفة في ميزان الصراع؟
ما كان بالأمس إرهاصات، تحول اليوم إلى حقيقة، وما لم يتجاوز حد المخاوف في السابق أصبح الآن ضمن المشاهدات اليومية.. في جنين، وطولكرم، ونابلس، والخليل، وطوباس، وقلقيلية، وفي سائر مدن الضفة الغربية، بات لزامًا على جيش الاحتلال ألا يكون أقل يقظة من معركته في غزة أو جنوب لبنان؛ فالمعركة تدور بين جنبات ثكناته وحواجزه ومقار إقامات قواته، ولم تعد الضفة الغربية جبهة إسناد لغزة، بل هي في صدارة المشهد ومقدمة الصفوف.
التدرج المتصاعد للمقاومة في الضفة الغربية، كان أكثر ما يمثّل مخاوف لدى الاحتلال منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى؛ فهي الجبهة القرب إليه ومن ثم هي الأخطر عليه، ولم تعد تنفعه الإجراءات العسكرية التقليدية من تفتيش ومداهمات واعتقالات وإقامة حواجز؛ حيث بات يقينيًّا أن المقاومة أعدّت عدتها لمواجهة ذلك كله ونوّعت في طريقة مقاومتها للاحتلال، حتى بات تفجير العبوات الناسفة في الآليات الإسرائيلية إحدى أبرز أدوات المقاومة، والتي لم يكن لها وجود في السابق فإذا هي الآن عنوان التنكيل بقوات الاحتلال.
أخذت المقاومة تثخن في العدو وتقدم ما لديها من بطولات وتضحيات لتخفيف الضغط على قطاع غزة الذي يعاني ويلات الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية لليوم الـ 327 على التوالي، وقد تجاوز عدد شهداء ومفقودي غزة ما يزيد عن 50 ألفًا، بالتزامن مع تدمير كل مناحي الحياة في القطاع، وهذا ما دفع المقاومة في الضفة لتكون ظهيرًا لغزة، فقدمت التضحيات التي تمثلت في ارتقاء أكثر من 640 شهيدًا ونحو 5400 مصابًا، بالإضافة لآلاف المعتقلين، منذ اندلاع طوفان الأقصى.
في الوقت ذاته سعت حكومة الاحتلال لاستغلال الحرب في قطاع غزة، لكي تنفذ مخططاتها من توسيع استيطاني وإقامة بؤر جديدة في ظل غياب لأي دور دولي في محاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، واستعر اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال لفرض واقع جديد في القدس الشريف بمزيد من الاقتحامات المتكررة لجماعات المستوطنين للمسجد الأقصى، حتى بلغ الأمر بأن أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير السعي لإقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى.
سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للمقاومين زادت وتيرتها مع تصاعد المقاومة ضد قوات الاحتلال، ولا يكاد يمر يوم حتى تشيع الضفة واحدًا او أكثر من أبطالها في استهداف إسرائيلي جبان، والتي كان آخرها اغتيال 10 شهداء في جنين وطوباس ضمن العدوان الموسع الذي أعلن عنه جيش الاحتلال شمالي الضفة الغربية.
وفي خطوة إجرامية جديدة، أعلن جيش الاحتلال في الساعات الأولى من الليلة الماضية بدء ما أسماه “عملية موسعة” في مدن شمال الضفة: جنين وطولكرم وطوباس والمخيمات وعدة أحياء من نابلس، مبينًا أنها ستستغرق وقتًا طويلاً، وحسب وسائل إعلام إسرائيلية ينوي جيش الاحتلال من هذا العدوان تدمير البنية التحتية للمقاومة في شمال الضفة، واصفًا إياها بانها الأعنف والأوسع منذ عملة السور الواقي التي وقعت عام 2002.
وبالتزامن مع هذا الإعلان قام المجاهدون من كتائب القسام رفقة عدد من الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة، بالاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال في مدينة طولكرم، فيما فجّرت “القسام” عبوات ناسفة في الآليات العسكرية المقتحمة مخيم جنين، بينما استهدفت برجًا عسكريًّا على مدخل مخيم العروب شمال الخليل.
كما أعلنت “سرايا القدس” -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية وإسقاطها في مخيم نور شمس بطولكرم، بالإضافة لإصابة عدد من جنود الاحتلال في نقاط تمركز القناصة المتحصنة داخل أحد المنازل، كما أعلنت تفجير عبوة ناسفة في جرافة عسكرية بنابلس، محققة إصابات مباشرة في صفوف طاقمها.
يحاول الاحتلال من خلال ارتكاب مزيد من جرائمه في الضفة الغربية أن يسكت صوت المقاومة، بينما لا يتأخر عليه رد أبطال الضفة الذين عزموا على المضي قدمًا لإيلام العدو بأكثر مما توقع، وذلك ما ظهر في ردود الأفعال العملية والإعلامية عقب البدء في العدوان الإسرائيلي فجر اليوم.
فمع تصدي المقاومة لعدوان الاحتلال أعلنت كتائب القسام أن “العملية العسكرية الواسعة بالضفة التي يتحدث عنها الكيان ستكون مستنقعًا تغرق فيه قواته”، فيما قالت سرايا القدس بنابلس: “نخوض اشتباكات ضارية مع قوات العدو بمخيم بلاطة”.
إعلان الاحتلال بدء عدوان جديد في الضفة الغربية، بعد تصعيد مستمر منذ شهور، هو في حقيقته اعتراف رسمي أن المقاومة في الضفة شديدة البأس، وأنه ذاق من جهاد أبطالها ما لم يعد يملك أمامه خيارًا آخر -كما صرح بذلك مسؤولون إسرائيليون-؛ حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، صباح الأربعاء: “يجب التعامل مع التهديد في الضفة مثل غزة وتنفيذ إخلاء مؤقت للسكان، فهذه حرب على كل شيء”.
ومع هذا التصعيد، يمكن القول إن الاحتلال بدأ في مواجهة صعبة قد تكلفه الكثير؛ حيث إن الضفة الغربية سجّلت في تاريخ المقاومة أنها أكثر من آلمت العدو في تاريخ الصراع معه، وبقدر خشية الاحتلال من هذه العواقب، تنتظر الضفة الغربية ملاحم بطولية وجهادية ربما تُسهم كثيرًا في تغيير المشهد الدائر على أرض فلسطين، بل وفي كل محاور الإسناد وجبهات الصراع.
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام