“لوموند دبلوماتيك”: القادة العلمانيون في “إسرائيل” يُسَخّرون الدين في خدمة الحرب
كتب ماريوس شاتنر، في مجلة “لوموند دبلوماتيك” الفرنسية مقالًا يتناول فيه التوجّه المتزايد لدى الممسكين بالسلطة في “إسرائيل”، سواء من العلمانيين أو المتطرّفين، لاستخدام الخطاب الديني من أجل تبرير الإبادة الجماعية التي يقوم بها “جيش” الاحتلال الإسرائيلي في غزّة.
وقد رصد الكاتب أمثلة متعددة على هذا الخطاب ودلالاته، وفي ما يلي مقتطفات من المقال مترجمة إلى العربية:
لم تتردّد الصهيونية، وهي حركة علمانية معظم ناشطيها كانوا في الأصل مُلحدين، في الاستيلاء على المفاهيم الأساسية للديانة اليهودية وإعادة صياغتها لبناء هوية وطنية. على هذه الخلفية، يمكن فهم كيف استعمل الاحتلال هذا الخطاب لتبرير الحرب المدمّرة التي يشنها “الجيش” الإسرائيلي في غزّة.
وأضاف اليمين الإسرائيلي في السلطة إلى شعاره المركزي الذي يرفعه في حرب غزّة “سننتصر معًا!” بشكل منهجي عبارة “بعون الله” لإعطاء بُعد دينيّ للصراع مع حركة حماس. وخلال مؤتمر صحافي عقده في “تل أبيب” في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي رسالة وجّهها إلى الجنود حيّا من خلالها “معركتهم ضدّ “قتلة” حماس” في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، استشهد بنيامين نتنياهو بسفر التثنية من الكتاب المقدّس العبري (آية تث 25:17)، قائلًا: “اذكر ما فعله عماليق بك” (اقرأ “ألف وجه للعماليق”؛ على الرغم من أنّ رئيس الوزراء بعيد كلّ البعد عن كلّ الممارسات الدينية. إلّا أنّه اضطرّ للاستشهاد بالنصوص الدينية للدفاع عن نفسه من تهمة التحريض على الإبادة الجماعية، ردًا على اتهامات جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
ولكن إذا كان استخدام النصوص الدينية اليهودية يهدف إلى منح هذه الحرب غطاءً إلهيًا، فإنه لا يشكّل رد فعل فحسب على عملية الحركة الإسلامية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ففي الواقع، ظلت السلطات الإسرائيلية تستخدم هذا الخطاب منذ عدة سنوات، ولكن بشكل أكثر تحفّظًا.
وفي عام 2014، خلال عملية (الجرف الصامد)، في قطاع غزّة أيضًا، أعلن الجنرال عوفر وينتر، قائد لواء المشاة غفعاتي، ما يلي: “لقد اختارنا التاريخ رأس حربة في المعركة ضدّ العدوّ الإرهابي في غزّة الذي يهين ويلعن إله الحروب في إسرائيل”. في ذلك الوقت، تسبّبت هذه التعليقات الصادرة على لسان جنديّ رفيع المستوى في فضيحة؛ كما ساهمت في تقصير حياته المهنية كضابط.
أما اليوم، فقد أصبحت هذه التعليقات أقل إثارة للصدمة. وبات الخطاب القوميّ الديني أمرًا شائعًا، يحمله وزراء اليمين المتطرّف، أمثال إيتمار بن غفير، اليهودي المتعصّب على رأس الأمن القوميّ، أو بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، كما يفعل أعضاء آخرون في الحكومة والنواب المنتمون إلى حزب الليكود، حزب نتنياهو. ونسمع ذلك أيضًا في الجيش، ولا سيّما في أوساط المراتب الأدنى، وكذلك في الوحدات القتالية حيث يميل عدد الضباط من الأكاديميات الدينية المُمهّدة بدخول “الجيش” إلى الازدياد.
هذا وقد انتشر مقطعَا فيديو على نطاق واسع على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي. في الفيديو الأول والذي يرجع تاريخه إلى بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، يؤكد عميحاي فريدمان، حاخام قاعدة تدريب لواء “ناحال”، أنّ الحرب يجب أن تسمح بإعادة إنشاء مستوطنات “غوش قطيف” التي تمّ تفكيكها أثناء فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزّة في عام 2005، في قطاع غزّة وخارجه. “هذه الأرض كلّها لنا، بما في ذلك غزّة ولبنان، إنّها أرض الميعاد”، يؤكد الضابط وسط تصفيق حار من جنوده. على الأثر، تبرّأت القيادة العسكرية منه وأُوقف عن العمل لمدة ثلاثين يومًا، بعدها مُنح منصبًا آخر كحاخام عسكري في الكتيبة نفسها.
في الفيديو الثاني، الذي تمّ تصويره في الشهر التالي خلال احتفال أُقيم بعد تدمير بلدة بيت حانون الفلسطينية، يدعو يائير بن دافيد، قائد سرية في الكتيبة 2908، ليس فقط إلى القضاء على حماس، الهدف الرسمي للحملة الإسرائيلية، بل إلى إبادة غزّة أيضًا. واستنادًا إلى العهد القديم، يقارن بين تدمير هذه البلدة الواقعة شمال شرق القطاع والانتقام الرهيب الذي مارسه أبناء البطريرك يعقوب ولاوي وشمعون ضدّ سكان شكيم (الاسم العبري لمدينة نابلس الحالية الواقعة في الضفّة الغربية).
ومع انتشار الفيديو، يخشى جزء من الجمهور أن يؤدي بدوره إلى تأجيج الاتهامات بـ”التحريض على الإبادة الجماعية” وتدهور صورة “إسرائيل” أكثر على الساحة الدولية. فالسخط لا يتعلّق بالصورة فحسب، بل بالمحتوى أيضًا. والدليل على ذلك التعليق اللاذع الذي نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الذي تضمّن التالي: “اقتلوا وانهبوا ودمّروا: هذا ما يَغرسه الكتاب المقدس والتقاليد اليهودية في نفوس الجنود. لقد كذبوا عليهم بشأن التعليمات المعطاة للجيش وحول قصص الكتاب المقدّس”.