أخبار دوليةقضايا وآراء

النيجر تفتح أبوابها الواسعة أمام روسيا.. اتفاقات أمنية واقتصادية

وسط الانشغال العالمي بالحرب الدموية على غزّة، تستغل روسيا تزايد نقمة شعوب القارة السمراء، على الوجود الأميركي في بلدانها، الذي لم يجلب لهم سوى الخراب والإرهاب، فضلًا عن أنه لم يؤدِّ سوى إلى تفاقم الأزمات الداخلية، وزيادة وتيرة الاضطرابات الأمنية.

من هنا، تعمل موسكو وبهدوء وروية على تعزيز التعاون مع العديد من دول منطقة الساحل في غرب إفريقيا وتحديدًا النيجر، وصولًا إلى عقد شراكات أمنية واقتصادية معها، فيما الغاية منذ ذلك هو تحقيق هدفين، الأول، الاستفادة من الموارد والثروات المعدنية التي تختزنها أراضي تلك الدولة، والتخلص من النفوذ الغربي والحلول مكانه. وتبعًا لذلك وقعت روسيا عددًا من الاتفاقيات لتوفير ضمانات أمنية لرئيس المجلس العسكري بالنيجر عبد الرحمن تياني، ومن المرجح كذلك، أن تستحوذ على حقوق الاستثمار بمناجم الذهب هناك.

هل لروسيا أي دور بانقلاب النيجر؟

في الواقع، منذ أن ازاح الجيش النيجري بقيادة عمر عبد الرحمن تياني الرئيس النيجيري السابق محمد بازوم عن سدة الحكم في 26 تموز/يوليو 2023، وخروج أنصار الانقلاب إلى شوارع نيامي وهو يلوحون بالأعلام الروسية، أثارت هذه المشاهد المقلقة، شكوك الغرب خصوصًا الولايات المتحدة حول تورط موسكو، من خلال مجموعة فاغنر “ذراعها الخارجية”، في الانقلاب، لا سيما أن بازوم كان معروفًا بدعمه لكييف في الأمم المتحدة، وانضم إلى مبادرة دبلوماسية لإعادة السيادة على شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا.

لكن المفاجأة أن ثمة عوامل وأسبابًا أخرى أدت إلى حدوث الانقلاب، بما في ذلك العرق العربي لبازوم – في دولة ذات أغلبية من اثنية الهوسا (يشكّل العرب أقل من 1 في المائة من السكان في النيجر) – إلى جانب التأييد الذي تحظى به روسيا في أوساط الجيش بالنيجر. والمفارقة، أنه وعلى غرار قادة الانقلابات الآخرين في المنطقة، تلقى تياني (من عرقية الهوسا) ورئيس أركانه الجنرال موسى سالاو بارمو، تدريبًا عسكريًا أميركيًا داخل الولايات المتحدة.

ليس هذا فحسب، فقد لعب الاقتصاد الراكد، وانعدام الأمن المتزايد، ووجود القوات الغربية دورًا في هذا الأمر. اما القشة التي قصمت ظهر البعير، فكانت، نية بازوم الاقدام على تغيير جذري في القيادة العسكرية.

بموازاة ذلك، ساهم انحياز موسكو السريع للمجلس الانقلابي، بوضعها في دائرة الاتهام الغربي بالتورط بالانقلاب. إذ سرعان ما هبت روسيا للدفاع عن المجلس العسكري بقيادة تياني عندما أشارت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) إلى أنها قد تقوم بتدخل عسكري لإعادة بازوم للحكم. وعلى المنوال ذاته، حذرت وزارة الخارجية الروسية من أن التدخل سيؤدي إلى “صراع طويل الأمد” وزعزعة استقرار المنطقة على نطاق أوسع.

وما زاد الطين بلة بالنسبة للغرب، هو معارضة المجالس العسكرية (المناهضة للوجود الأجنبي) في تحالف دول الساحل الذي يضمّ كلًّا من: مالي وبوركينا فاسو وغينيا (وجميعها أعلنت انسحابها من المجموعة) لأي إجراء تقوم به المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ضدّ النيجر وحكامها الجدد. كما أن انفتاح النيجر على الكرملين، كان بمثابة صفعة للغرب بسبب سياسات المجلس العسكري المتحولة.

خطوات المجلس العسكري بالنجير تجاه فرنسا

كانت الخطوة الأولى للمجلس العسكري بالنيجر لترسيخ سلطته، هي طرد الجيش الفرنسي من البلاد، وسط تهليل وسائل الإعلام الروسية التي نشرت حينها شعار “تسقط فرنسا”. وتبعًا لذلك وفي 3 آب/أغسطس 2023، ألغى تياني جميع اتفاقيات التعاون العسكري مع باريس (الموقعة بين عامي 1977 و2020). وكانت القوّة الفرنسية المتبقية في النيجر وقوامها 1500 جنديّ، تزعم أنها تساعد في القتال ضدّ مقاتلي “داعش” و”جهاديين” آخرين.
وبناء على أمر المجلس العسكري، بدأت القوات الفرنسية في إخلاء النيجر في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقد غادرت آخر الوحدات في 22 كانون الأول/ديسمبر الماضي. واللافت انه بعد عدة أسابيع من مغادرتهم، عرضت وسائل الإعلام الروسية مقابلة مع الجنرال ساليفو مودي، نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم، الذي قال إن عمليات الإجلاء قد قدمت بالفعل “تأثيرا إيجابيا على كفاحنا ضدّ الإرهاب”.

المجلس العسكري في النيجر والعلاقة مع روسيا

وفي العام 2023، سعت مجموعة “فاغنر” الروسية، للاستفادة من تراجع النفوذ الغربي بالنيجر، لحجز موقع متقدم لها في البلاد من جهة، والتنعم بمواردها وثرواتها من جهة ثانية. من هنا، وفي تموز/يوليو 2023، استخدم متحدث يُعتقد أنه يفغيني بريجوزين رئيس فاغنر – الذي قتل بعد ذلك- قناة تيليغرام لتقديم عرض لحكام النيجر الجدد لتوسيع التواصل مع المجموعة ودعاهم إلى النأي بأنفسهم عن الغرب.

المثير أن وفاة بريجوزين في آب/أغسطس 2023، والإصلاح اللاحق لـ”فاغنر،” فتحا الباب أمام المزيد من التعاون الرسمي بين المجلس العسكري بالنيجر وموسكو. ولهذا، وقع وزير الدفاع الوطني النيجر ساليفو مودي، مع نائبي وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين، ويونس بيك يفكوروف، اتفاقية تنص على نشر الفيلق الإفريقي الروسي في النيجر الذي يديره الفرع الأجنبي للاستخبارات الروسية.

وتعقيبًا على ذلك، قال مودي “سيتم تخصيص جزء كبير من ميزانيتنا العسكرية مباشرة لشريكنا الروسي”. بدوره كشف أحد مسؤولي المجلس العسكري بالنيجر (بحسب وكالة الانباء النيجرية) أنه قد يتم التنازل عن بعض مناجم الذهب للروس أيضًا. وبالمثل، وفي مقابلة أجريت معه بعد بضعة أيام، شكر تياني جنود القوات الروسية على دعمهم وأشار إلى أن “الضمانات الأمنية التي تقدمها موسكو لها ثمن باهظ وستتطلب تضحيات كبيرة، لكن [روسيا] شريك موثوق به”.
وكان تياني، أجرى اتّصالًا هاتفًيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 آذار/مارس الماضي، حيث عرض الطرفان التعاون الأمني والاستراتيجي في مواجهة “التهديدات الراهنة”.

المثير، أنه وفي أعقاب هذه المحادثة، أعلن التلفزيون الرسمي في نيامي في 12 الجاري، عن وصول مدربين عسكريين روس وأنظمة دفاع جوي إلى النيجر، وذلك في إطار تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

النيجر والعلاقة مع واشنطن

في منتصف آذار/مارس الفائت، زار مسؤولون أميركيون النيجر في محاولة للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة المتصاعدة مع المجلس العسكري. لكن المحادثات انتهت بنكسة كبيرة. إذ بعد فترة وجيزة في 17 آذار، ألغى المجلس العسكري اتفاق “وضع القوات” مع واشنطن، وأدت هذه الخطوة إلى إغلاق منشأة أميركية للطائرات من دون طيار بقيمة 100 مليون دولار، ومنشأة سرية منفصلة.
وفيما لم تحدد واشنطن أي موعد لانسحابها من النجير، أكدت وزارة الداخلية في نيامي أن واشنطن ستقدم “مشروعًا” بشأن “ترتيبات انسحاب” قواتها المنتشرة في النيجر.

على المقلب الآخر، وفي خطوة لافتة للانتباه، أقدم المجلس العسكري أيضًا، على إلغاء تشريع صدر عام 2015 يحظر الاتجار بالمهاجرين عبر النيجر، مدّعيًا أنه تم تنفيذه “تحت تأثير قوى أجنبية معينة”. إلى جانب ذلك، تم إطلاق سراح المتاجرين بالبشر المسجونين، وتم أيضًا تنظيم حراسة عسكرية لقوافل المهاجرين.

ما يجب التوقف عنده، هو أن المراقبين لا يستبعدون -ومن خلال هذه التحركات والقرارات- احتمالية تلاعب روسيا بتدفقات المهاجرين المتجهين إلى أوروبا.

في المحصّلة، وبما أن المساعدات الخارجية كانت تمثل نصف ميزانيتها قبل الانقلاب، فإن النيجر لا تستطيع عزل نفسها عن جميع الشركاء الآخرين لصالح موسكو، لذلك من المرجح أن توازن في علاقاتها مع الكرملين، وتحافظ بالوقت ذاته، على الشراكات الإقليمية والدولية التي تضمن سيادتها وعدم التدخل بشؤونها أولًا وأخيرًا.علي دربج/ المنار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى