أبناء الشهداء يتحدّون العدوّ والظروف ويتفوقون
لم تخلُ لوائح الطلاب الناجحين في الامتحانات الثانوية الرسمية لهذا العام من أسماء مشرّفة. والعام الدراسي الذي أتى مختلفًا بكلّ تفاصيله كان استثنائيًا أيضًا في نتائجه.
أن تكون طالبًا من القرى الجنوبية الحدودية، وتعيش وطأة الحرب والنزوح وتتحمل صعوبة الظروف لتحصد في نهاية الأمر نجاحًا مميزًا، فهذا بحد ذاته يعدّ إنجازًا عظيمًا، لكن ثمة ما هو أكثر عظمة من ذلك، وهو أن تكون طالبًا نازحًا تحت وطأة الحرب، وقبل ذلك كله؛ أنك ابن شهيد.
في زحمة التهاني والتبريكات تطل أسماءٌ يظلّلها العز والفخر، فخر النجاح والتفوق الممزوج بالتعب والصبر، وفخر الانتماء لعوائل الشهداء الذين مضوا في طريق الحق، وهو الاعتزاز الأكبر.
الأسماء لهذا العام كثيرة، تمامًا كحجم التضحيات العظمى التي قُدمت وتقدّم على طريق القدس وفلسطين ومعهما أرض الجنوب المقاوم.
في قاموس الشرفاء والمقاومين لم تكن الشهادة يومًا ضعفًا أو انكسارًا، وفي فكر أهل الشهداء تكون عزيمةً وشجاعةً وقوّةً في ميادين الحياة كافة ومنها ميدان العلم والمعرفة.
لم تحدّ شهادة آبائهم من عزيمتهم، ولم تعط العدوّ أملًا في كسر إرادة الحياة لديهم، بل على العكس، جعلتهم أكثر اندفاعًا وصلابةً وإصرارًا على المقاومة وإكمال نهج آبائهم.
أسماء زيّنتها أسماء الآباء الشهداء، توزّعت على قرى الجنوب الحبيب لتعيد في ربوعها الذكرى، ذكرى المجد الذي لا ينسى. الطلاب علي الهادي الشهيد وسام حمود، وجنى الشهيد مهدي زعتر، وفاطمة الشهيد إسماعيل الزين، ومهدي الشهيد عباس وهبي، ومهدي الشهيد هيثم رضا، وزينب الشهيد حسان اللقيس، وغيرهم من الطلاب الذين أحرزوا بمعظمهم درجات في التفوق الدراسي، واللائحة تطول.
التبريكات هنا لم تكن كمثيلاتها في البيوت الأخرى، إذ مما لا شك فيه أن دموع الفقد امتزجت بدموع الفرحة، والفخر الذي ازدحم في قلوب الأمهات كان مضاعفًا جدًا، ونجاح وتفوق أبناء الشهداء ليس إلا دليلًا على حفظهم لوصايا آبائهم، وإصرارهم على تحقيق ما تمنوه قبل ارتحالهم.
منصات التواصل الاجتماعي ازدحمت بالمهنئين والمباركين لهؤلاء الطلاب والفخورين بهم، وكلّ ما قد يُكتب في هذا السياق عن تضحياتهم وصبرهم وتعبهم، لا يمكن أن يوفّيهم حقّهم ولا حق آبائهم، لكن يكفي أن هذه الأمة تدرك فضل الشهداء وعوائلهم، وتعلم أن حياتها مباركة بشهادتهم وبدمائهم الزكيّة.
لتفوّق أبناء الشهداء تحديدًا والطلاب الجنوبيون عمومًا، دلالات كبيرة ورسائل متشعبة، فهم بتفوقهم تحدوا آلة الإجرام الصهيونية وبلغوا ما يتمنون. لم يكن هول القصف وأصوات المدافع والطائرات دافعًا إلى تخلفهم عن ركب العلم والتعلّم، وعلى مقلب آخر، كانوا قدوة لإخوانهم في المسيرة وللأجيال التي ستلي بعدها، فأبناء من سبق من الشهداء كانوا من حملوا هذه الشعلة ومضوا بها نحونا، ليُكمل الحاضرون مسيرة أسلافهم.
إن تكريم أبناء الشهداء لا بد أن يكون استثنائيًا كتضحياتهم، وربما ما نقدمه إعلاميًا وتواصليًا لا يفيهم حقّهم، لكن هذا أضعف الإيمان وأقل ما يمكن فعله، والمقصود هنا أن تجربتهم الخالدة المشرّفة من العظيم جدًا أن تكون نموذجًا يقتدى به، إنسانيًا وأخلاقيًا وتربويًا، لا سيما في ظل هذه الظروف الاستثنائية والتحديات القاهرة التي نعيشها.
الآمال هنا تعلّق على مبادرات المعنيين في الشأن الرسمي، والمؤسسة التربوية الرسمية التي أصرت على خوض أبناء الجنوب امتحاناتهم تحت وطأة الحرب والخطر، ودورها في تكريم الطلاب الناجحين من أبناء الشهداء أكاديميًا ورسميًا، كعربون شكر ووفاءٍ لهم على عظيم تضحياتهم وإصرارهم على خوض معركة الصمود والنصر بكلّ أشكالها.