ظهور معسكر رافض للتدخلات الخارجية في الحزب الجمهوري الأميركي
توقّفت مجلة “بوليتيكو” الأميركية عند ما قاله السيناتور الأميركي عن الحزب الجمهوري ديفيد فانس، في شهر نيسان/ أبريل الماضي عقب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على رزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار، مذكرة بأن فانس قدم توبيخًا شاملًا لقرار تقديم هذه المساعدات.
ولفتت المجلة إلى أن فانس الذي أصبح يعرف بأنه من كبار منتقدي السياسة الأميركية حيال أوكرانيا عارض القرار لاعتبارات عدة، مثل كون الجيش الأميركي يضع على عاتقه مسؤوليات تفوق قدراته، وأن أوكرانيا تفتقد إلى القوّة البشرية والسلاح المطلوب بغضّ النظر عن مستوى الدعم الأميركي، وأن إدارة بايدن تفتقد إلى خطة واضحة من أجل إنهاء الحرب.
المجلة نبّهت إلى أن فانس تحدث أيضًا عن فترة خدمته في العراق كعنصر في قوات المارينز، حيث قال إنه اكتشف بأنه جرى الكذب عليه عندما ذهب إلى العراق، وأن الوعود التي تقدمها مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة هي عبارة عن مهزلة بالكامل.
وتابعت المجلة بأن كلام فانس عن الحرب في العراق يقدم نافذة إلى ديناميكية لا تحظى بالتقدير المطلوب والتي هي وراء الخلاف داخل الحزب الجمهوري حول الحرب في أوكرانيا والاتّجاه الذي تسلكه السياسة الخارجية الأميركية، موضحة بأن هذه الديناميكية تتمثل بصعود فصيل معارض للتدخل داخل الحزب، والذي يقوده بشكل أساس محاربون قدامى شاركوا في الحربين في العراق وأفغانستان.
ونقلت المجلة عن عدد من الشخصيات البارزة في الجناح المعادي للتدخلات (الخارجية) في الحزب الجمهوري وحلفائهم في واشنطن، نقلت عنهم اعترافهم بأن تجربة الحضور الميداني العسكري على الأرض في العراق وأفغانستان لعبت دورًا محوريًا في رفضهم سياسات الحزب الجمهوري الخارجية المتشددة. كما نقلت عنهم، أنه وبعدما شاهدوا مباشرة الفشل والتداعيات المميتة الناتجة عن الحروب الأميركية، أصبحوا أكثر شكًا في فاعلية القوّة العسكرية الأميركية، وكذلك أقل ثقة بالقادة المدنيين والعسكريين، وأكثر توجسًا حيال إدخال الولايات المتحدة في نزاعات خارجية قد تكلف المزيد من المال وحتّى الأرواح الأميركية.
وأضافت المجلة، أن ما يقوله هؤلاء عن خيبة أملهم حيال الحروب في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى يعقد التفسير السائد بشأن عودة المعسكر المعادي للتدخلات إلى الجناح اليميني. وأردفت أنه وخلافًا لما يقال عن أن عودة هذا التيار هي أكثر من مجرد نتاج ولاء الحزب الجمهوري لدونالد ترامب، فإن ما يقوله المحافظون أنفسهم يفيد بأن هذا التحول بدأ قبل صعود ترامب. كذلك تابع بأنه، وبناء عليه، وخلافًا للتكهنات، فمن المستعبد أن يتفكك المعسكر المعادي للتدخلات الخارجية في الحزب الجمهوري في أي وقت قريب، حتّى وإن هزم ترامب بالانتخابات الرئاسية القادمة في تشرين الثاني نوفمبر القادم.
ونبّهت المجلة إلى أن الشخصيات التي تنتمي إلى المعسكر المذكور هم في الغالب من الجيل الأصغر سنًا وينتمون إلى جناح أقصى اليمين الذي تبنى بحماسة أجندة ترامب التي تحمل شعار “أميركا أولًا”. كما أشارت إلى أنه وخلافًا لمحافظين آخرين مصطفين مع ترامب، أيدوا تقديم مساعدات أميركية إضافية لأوكرانيا مثل رئيس البرلمان مايك جونسون، فإن التيار المعادي للتدخلات الخارجية احتشد خلف سياسة خارجية تقوم على “ضبط النفس” وتستند إلى فكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تضع أولوية على المشاكل الداخلية وأن تتدخل في الخارج فقط عندما تقتضي مصالحها الضيقة ذلك.
كذلك أضافت المجلة أنه وبالنسبة للعديد من المنتمين إلى هذا المعسكر الذين هم من المحاربين القدامى، فإن الحرب في أوكرانيا ليست فقط عبارة عن نقاش نظري حول السياسة الخارجية، وإنما اختبار حول ما إذا كان الحزب الجمهوري والقيادة العسكرية في واشنطن عمومًا تعلمت من دروس الماضي.
كما قالت المجلة، إن مقاربة الحزب الجمهوري للسياسة الخارجية أصبحت تنقسم إلى ثلاثة معسكرات بعد مرور عامين ونصف العام منذ بدء الحرب في أوكرانيا، موضحة أن المعسكر الأول هو البدائيون الذين ما زالوا يتبعون عقيدة الرئيس الأسبق رونالد ريغان القائمة على ما يسمّى “السلام عبر القوّة”، بينما الثاني هو معسكر “وضع الأولويات” الذي يرى أن على الولايات المتحدة أن تركز سياستها الخارجية على مواجهة “التهديد” من الصين. أما المعسكر الثالث فقالت، إنه يتمثل بمؤيدي سياسة ضبط النفس الذين يشككون بالتدخلات الأميركية في الخارج، بغضّ النظر عن شكل التدخل.
كذلك تابعت المجلة بأن المنتمين إلى معسكر ضبط النفس يرون أن المشكلة الحقيقية في التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج لا تعود إلى كون دوافعها خبيثة، بل إلى كونه لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
وأضافت بأن المعسكر المعادي للتدخلات الخارجية داخل الحزب الجمهوري لا يصدق ما تقوله إدارة بايدن عن أن إستراتيجيتها في أوكرانيا القائمة على تزويد الجيش الأوكراني بالمعدات والمعلومات الاستخباراتية بدلًا من القوّة البشرية هي أفضل سبيل لتجنب التورط الأميركي المباشر، حيث يرى هذا المعسكر أن مثل هذه الإستراتيجية تحمل معها خطر تعميق الدور الأميركي في النزاع، حتّى لدرجة أن الولايات المتحدة والناتو قد يضطران إلى التصعيد من خلال وضع جنود على الأرض في أوكرانيا.