تونس والرهانات الاقتصادية والسياسية الصعبة
منذ حراك 25 تموز/يوليو تعاني تونس من ضغوطات خارجية أشبه بحصار وسط مصاعب في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. ولجأت البلاد إلى حلول أخرى منها الاقتراض من البنوك المحلية بهدف الإيفاء بتعهداتها المالية المبوبة في قانون المالية للعام 2024 ثمّ لجأت إلى البنك المركزي.
وبحسب آخر الإحصائيات فقد تمّ تسجيل ارتفاع في موجودات البنك المركزي لدى الحكومة المركزية من 7.6 مليار دينار تونسي في كانون الأول/ديسمبر 2022 الى10.1 مليار دينار تونسي في كانون الأول / ديسمبر 2023. فقد صادقت الحكومة على التمويل المباشر من البنك المركزي لسد جزء من عجز ميزانية السنة الحالية تسدد على 10 سنوات وبمدة إمهال بـ 3 سنوات دون توظيف فوائد. ويؤكد المراقبون على أنه بالرغم من الأخطار والمخاوف التي تحيط بهذا الأمر إلا أن الحكومة لا تملك بديلًا لتسديد ديونها الخارجية ودفع رواتب القطاع العام.
وتركت هذه السياسات تداعيات سلبية، فقد عاد التضخم ليسجل ارتفاعًا ملحوظًا في شهر حزيران/يونيو الماضي في حدود 7.3%. ويتزامن ذلك مع ارتفاع نسق أسعار المواد الغذائية الأساسية وسط تواصل أزمة غياب العديد من السلع وصعوبة الوصول إليها مثل السكر. أضف إلى ذلك تسجيل ارتفاع في عجز الميزان التجاري الطاقي بنسبة 22 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي بحسب نشرة المرصد الوطني للطاقة والمناجم، وذلك بسبب تراجع الإنتاج الوطني إضافة إلى تسجيل تراجع لسعر صرف الدينار مقابل الدولار.
ولا يخفى أن ارتفاع أسعار المواد الطاقية مرتبط بالأزمات العالمية والحروب. وما زاد الوضع سوءًا هو تراجع عائدات الموسم السياحي خاصة أن تونس كانت تعوّل على العائدات المالية للسياحة من أجل زيادة احتياطي العملات الصعبة، فضلًا عن تصدير زيت الزيتون. كلّ هذه المؤشرات تزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وبحسب الباحثة والصحفية المختصة في الشأن السياسي والاقتصادي سامية حرار لـ”العهد الاخباري” فإن المطلوب اليوم التوجّه نحو زيادة نسق الاستثمارات الخارجية من خلال توفير مناخ عام يشجع رؤوس الأموال الأجنبية. وقالت إن اعتماد المجلس الوزاري لاستراتيجية وطنية للنهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة ودمج 6 بنوك خاصة وعمومية في هذا المسار، يعد خطوة أولى على طريق صعب مليء بالعثرات وفي ظل مناخ سياسي متوتر. وقالت إن غياب التمويلات للعديد من المشاريع يعيق محاولات إعادة الديناميكية للبنية الاقتصادية، وشدّدت على ضرورة إعادة هيكلة السياسات العمومية من أجل التخلص من العقبات.
يشار إلى أن تونس قادمة على رهانات واستحقاقات صعبة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا مع التحضيرات للانتخابات الرئاسية المقررة في 6 تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وتتخوف الأوساط المعارضة لمسار 25 تموز/يوليو من غياب تكافؤ الفرص والشفافية. وقالت حركة النهضة التونسية إنه “لا يمكن أن تكون هذه الانتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة وتنافسية حقًّا إلا بتنقية المناخ السياسي وضمان تكافؤ الفرص وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع القيود على نشاط الأحزاب وضمان حرية التعبير والترشح والاختيار”.
وأوضحت الحركة أن “القرار النهائي بخصوص المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها لم يتّخذ بعد، وسوف نتّخذه في أوانه بالتشاور والتنسيق التام مع قيادة جبهة الخلاص الوطني وكلّ مكوناتها”. وأكدت أن “الانتخابات استحقاق وطني ودستوري”، مطالبة بـ”ضمان توفير الشروط والمعايير الديموقراطية لإجرائها”. وفي 5 تموز/يوليو الماضي أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أن قبول الترشح للانتخابات يبدأ في 29 تموز/يوليو ويستمر حتّى 6 آب/أغسطس.عبير قاسم/ العهد الاخباري